أكدت المملكة العربية السعودية التزامها الأخلاقي الثابت تجاه المواثيق والعهود الدولية الصادرة عن منظمة اليونسكو في إطار رسالتها الإنسانية . وقال صاحب السمو الأمير فيصل بن عبدالله بن محمد آل سعود وزيرالتربية والتعليم رئيس وفد المملكة للدورة 35 للمؤتمر العام لليونسكو امس في جنيف إن المملكة العربية السعودية بوصفها رمز العالم الإسلامي وحاضن قبلته ، تتجه إليها أنظار مليار ونصف المليار مسلم ، تُرحب بكل المساعي لتحقيق أهداف اليونسكو المعرفية والثقافية والإنسانية ، وعبرت عن ذلك قيادة المملكة في كافة المحافل الدولية ، حيث تؤكد المملكة التزامها الأخلاقي الثابت تجاه المواثيق والعهود الدولية الصادرة عن المنظمة في إطار رسالتها الإنسانية , وترجمت ذلك عمليا ، بتقديم ما يزيد على ( 90 ) مليار دولار خلال العقود الثلاثة المنصرمة على هيئة مساعدات وقروض ميسّرة غير مستردة استفادت منها ( 86 ) دولة نامية وهي نسبة أعلى بكثير من النسبة المستهدفة بحسب الأممالمتحدة علاوة على تبرع المملكة لصندوق تمويل الأبحاث والدراسات الخاص بتغير المناخ بمبلغ (300) مليون دولار, وقد استحق خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لقب البطل العالمي لمكافحة الجوع العام الماضي الذي منحه إياه برنامج الغذاء العالمي تقديراً لتبرعه بمبلغ (500) مليون دولار لمساعدة فقراء العالم // . وأكد سموه في كلمة المملكة أمام المؤتمر الذي ستستمر أعماله حتى الثالث والعشرين من شهر أكتوبر الحالي ضرورة ألا يغيب عن أذهان العالم اليوم أهم ثلاثة مبادئ تمس حياة مواطن القرن الجديد هي القبول بالجيرة الكونية بما لها وعليها من حقوق وواجبات، وإتاحة المجال لتقاسم فرص التعلُم والحياة الكريمة، والحفاظ على عناصر طبيعة الكون الذي يُظل الجميع . وقال إن هذه المبادئ مشروعة وممكنة تُحتّمها علينا مسؤولياتنا الدينية والإنسانية والأخلاقية , وتحتاج إلى استمرار التعاضد الدولي من أجل التخلص من بذور الخلافات والتغلب على التحديات التي خلّفتها فوضى بعض المفاهيم والممارسات الممعنة في الغطرسة والأنانية. وبين سموه أن التاريخ علمنا أن المغالاة تؤدي إلى الفوضى , فعندما مارس الإنسان بعض تصرفاته بأنانية , تولّد ما هو أشد خطرا وفتكا فيما يُعرف بحركات الإرهاب والتطرف وعندما أساء استغلال الطبيعة نشأت معركة غير متكافئة، أثبتت عجز الغني والفقير على حد سواء , بعد أن انهارت كل تداعيات القوة أمام صلابة الاحتباس الحراري، التي تتهدد الحياة في البر والبحر والجو. وقال سموه إزاء هذه الأوضاع المتصاعدة والقضايا الحيوية نحن بحاجة إلى أن نمد أيدينا برسالة تعبر عن قناعتنا بمعادلة التوازن ، فمتطلبات النمو الاقتصادي يجب أن تلتقي مع متطلبات الكون لا أن تتصادم معه وتلوثه، ومظاهر العداء المتوهّمة بين بني البشر المبنية على العرق والدين والثقافة والثروة يجب أن تتضاءل وإلا فإن أوجاع العالم لن تستكين. وتحدث سموه عن المشروع الشامل للملك عبدالله لتطوير التعليم العام والتعليم العالي في المملكة موضحا أن من أبرز ثمار هذا المشروع ما تم الأسبوع الماضي من افتتاح جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية بحضور عدد من زعماء وعلماء العالم، وهي الجامعة التي ستستهدف استقطاب العقول العالمية لإدارة الأبحاث حول المشاكل الكونية المختلفة. وأشار سموه إلى مبادرات المملكة للحث على الاهتمام بالقيم الإنسانية من عدل وتعاون وأمن واستقرار والحفاظ على الأسرة ومواجهة الصراع بين البشر بالحوار والتعايش السلمي ومشاركتها في كافة المحافل الدولية ،ومن ذلك تبني المملكة للمؤتمر العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات المعتبرة، المنعقد في مدريد، الذي توج بمؤتمر الأممالمتحدة في نيويورك، 2008م. وقال سموه// إن وفد المملكة وقد درس وثائق المؤتمر ومشروع البرنامج والميزانية للمنظمة للعامين المقبلين، يُقدّر حجم وأسلوب العمل التشاوري الذي يستهدف مواصلة جهود الإصلاح الإداري والمالي للمنظمة، كما يُعرب عن تقديره لجهود رئيس وأعضاء المجلس التنفيذي وإسهاماتهم خلال السنتين الماضيتين التي تمخضت عن الكثير من المشروعات المعروضة على مؤتمرنا هذا , وفي هذا الخصوص فإننا نُثمّن ونُلحّ على الدعوة لتطبيق القرار 34م/58 المتعلق بالمؤسسات التعليمية والثقافية في الأراضي العربية المحتلة والمساهمة بصون تراث مدينة القدس القديمة، كما نؤكد أهمية قبول طلب انضمام فلسطين إلى عضوية اليونسكو، الذي دام تأجيله حتى الآن أكثر من عشرين عاماً دون قرار. وأكد سموه أهمية هدف بناء " مجتمعات المعرفة " وهو أحد الأهداف الإنمائية الشاملة في الإستراتيجية متوسطة الأجل للفترة من 2008 2013 ؛ ذلك أن الفجوة الرقمية لا تزال واسعة، ومن الضرورة تطوير الفهم المشترك بكيفية تسخير إمكانات التكنولوجيا لإقامة مجتمع معلومات يُمكِّن كل فرد من الوصول إليه والمشاركة في معارفه، لما لذلك من أثر ملموس على صعيد التعبير والتعليم الجيد والتعدد اللغوي..وكلها أهداف يتعين إنجازها بحلول 2015 ضمن الأهداف الإنمائية المتفق عليها دوليا . ودعا سموه لأن يبقى ملف "الحوار بين الثقافات " مفتوحا ، مشيرا إلى أنه أحد أهم ا لعلامات المضيئة في مسيرة عمل المنظمة، في سعيها للحد من الخطاب المتشنج ، وتعزيز ممارستنا لترسيخ ثقافة التسامح والتعايش والاحترام المتبادل في كافة أنشطتنا الاجتماعية ، وأن نرسم خطا جديدا للاستواء تلتقي على ضفافه كل الثقافات والحضارات، بوصفها حقا لكل أمة ، عبر مقومات السلام الأكثر نفاذا وديمومة وهي التربية والثقافة والعلوم . وحيّا سموه جهود ( اليونسكو ) في سعيها الدؤوب نحو نشر العلم والثقافة ، وإشاعة قيم التسامح والإخاء والسلام ، معربا عن شكره لمعالي مدير عام المنظمة المنتهية مدته كوتشيرو ما تسورا على ما بذله من جهود لتحقيق أهداف المنظمة وجميع مساعديه وعن أطيب التهاني لمعالي السّيدة إيرينا بوكوفا ، على حيازتها ثقة المجلس التنفيذي للمنظمة بانتخابها مديراً عاماً لمواصلة سلسلة الخطوات التطويرية والإصلاحية للمنظمة ؛ وتَعزيز سبل معالجة الأزمات التي يواجُههَا عالُمنَا اليومَ ؛ بناءً علىَ مَبَادئ حُقُوقِ الإِنسَان بمَا في ذلك حقه في المعرفة والحياة الكريمة الآمنة.