يبدأ الأستاذ عمرو خالد محاضرته بتنبيه المشاهدين باننا قد وصلنا لنصف رمضان، فقد مرت الأيام سريعًا وصدق الله العظيم إذ يقول (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ...) (البقرة: 184) وسرعان ما ينتهي الشهر الكريم. تُرى ماذا فعلت فيما مضى من رمضان؟ وماذا سيكتب لك فيما تبقى؟ ثم يتساءل :. كم ختمة للقرآن انتهيت منها حتى الآن؟ فالنبي يقول: (اقرأوا القرآن فإنه يأتي شفيعًا لأصحابه يوم القيامة) هل تريد أن يشفع لك القرآن يوم القيامة؟ هل تتمنى أن تأتي سورة البقرة وسورة آل عمران يوم القيامة وتظللان عليك في حر يوم القيامة وتدافعان عنك؟ فقد سأل سيدنا عبد الله بن عمر بن الخطاب النبي صلى الله عليه وسلم: "في كم أختم القرآن؟ فقال له النبي: "اختمه في شهر" فقال: "يا رسول الله إني شاب أطيق أكثر من ذلك" فقال: "اختمه في عشرين" فقال له: "يا رسول الله إني شاب وأطيق أكثر من ذلك" فقال له الرسول: "اختمه في خمسة عشر" قال: "يا رسول الله والله أطيق أكثر من ذلك" قال: "اختمه في عشر" فقال: "يا رسول الله إني شاب ذو طاقة" فقال له النبي: "اختمه في ثلاثة أيام ولا أقل من ذلك". لماذا لا تَغيرون من سيدنا عبد الله بن عمر؟ هل هناك من ختم أو من شارف على الانتهاء من ختم القرآن؟ فالعبادة منازل وجبال من الحسنات وكلُّ حسب اختياره ... محور حديثنا اليوم إيماني ورقيق جدَّا وهو الشوق إلى الله. هل تشتاق إلى الله؟ هل تشتاق إلى رضاه؟ هل تحن إلى الليل فتقوم وتصلي بين يديه؟ فتلك منزلة رفيعة. العبادة منازل: فهناك من يتجنب المحرمات وهذه منزلة، وهناك من يتقي الله، وهناك منزلة اسمها الشوق إلى الله. .. اليوم سيدنا موسى يشتاق إلى الله، ووعد الله سيدنا موسى بالذهاب إلى ميقاته، الميقات أي لقاء الله، ومتى كانت آخر مرة؟ كانت قبل ذلك بخمس عشرة سنة في جبل الطور. اليوم وبعد هذه المدة وبعد غرق فرعون ونصر موسى وتحقق وعد الله لموسى دعاه مرة أخرى للقائه في المكان نفسه، انظر إلى الآية: (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً... ) (الأعراف: 14?) فقال الله سبحانه وتعالى لموسى لو صمت لي وعبدتني حق العبادة ثلاثين ليلة سأعطيك مكافأة وقربا، وسأعطيك التوراة، كتابي نورا وهدى وسأقربك مني قربًا شديدًا. فصام سيدنا موسى الثلاثين ليلة وبعدما أتمها حيث أمره الله أن يتممها بعشر ليزيد قوة وإيمانًا ليستعد للقاء الله. وماذا عن بقية بني إسرائيل؟ فلقد استخلف سيدنا موسى سيدنا هارون على بني إسرائيل لأنه ذاهب للقاء الله وحده لمدة ثلاثين ليلة وليبقى هو مع بني إسرائيل ولا يتركهم. انظر إلى حظ أمة محمد، فالميقات كان لموسى وحده وحرمت بني إسرائيل منه، فقد منّ الله سبحانه وتعالى على أمة محمد صلى الله عليه وسلم بشهر رمضان، ثلاثين ليلة عبادةً وصومًا ليهيئكم لتكن لكم منزلة كبيرة (من صام رمضان غفر له ما تقدم من ذنبه) و(إن الجنة لتتزين من السنة إلى السنة لشهر رمضان) انظر إلى جوائز رمضان وتيقن كيف نحن (غاليين) على الله! يقول لنا النبي: (من أتبع رمضان بست من شوال كمن صام الدهر) وسيدنا موسى صام ثلاثين ليلة وأتبعهم بعشر. انظر كيف أن أمة محمد هي خير أمة أخرجت للناس!... يذهب سيدنا موسى للقاء ربه عند جبل الطور، وكان اللقاء في الليل، لقاء طويل وجميل يسأل فيه سيدنا موسى الله ويستفيض، والله يجيب ويمن عليه ويعطيه التوراة كما طلب سيدنا موسى النظر إلى الله. ولقد سأل موسى الله أسئلة ذكرها النبي وأخرى ذكرها اليهود الذين أسلموا في المدينة مثل عبد الله بن سلام. على الرغم من أنها آثار إلا أني سوف أذكرها لأنها مؤيدة لسيرة النبي وذكرها النبي بأحاديث مماثلة، هيا نعيش مع هذه المعاني الرقيقة: فالحوار مع الله سبحانه وتعالى خاصية أعطاها الله لموسى عليه السلام في الدنيا، وستكون لنا إن شاء الله في الآخرة، في الجنة، حيث نسأل الله كيفما نشاء ونقول له أعطنا كذا ونتمنى كذا. قال موسى: "يا رب من أدنى أهل الجنة منزلة؟" فقال: "ذلك آخر رجل يخرج من النار حبوًا يريد أن يدخل الجنة، كلما أراد أن يخرج منها أُعيد فيها حتى يخرج منها ويقول الحمد لله الذي نجاني منكِ" فيقول الله تبارك وتعالى:" اذهب فادخل الجنة"، فيذهب فينظر فيخيل إليه أنها ملأى فيقول: "يارب وجدتها ملأى" فيقول له الله: "أما ترضى أن يكون لك مثل مُلك أعظم ملك من ملوك الدنيا" فيقول الرجل: "يا رب أتهزأ بي وأنت رب العالمين؟" فيقول له الله تبارك وتعالى: "لك مثل مُلك أعظم ملك من ملوك الدنيا ومثله ومثله ومثله ومثله ومثله" فيقول العبد: "رضيت يا رب" فيقول له الله تبارك وتعالى: "لك مثل مُلك أعظم ملك من ملوك الدنيا وعشرة أمثاله ولك فيها ما اشتهت نفسك وتمنت عينك وأنت فيها خالد". هذا أدنى شخص منزلة، فقال موسى: "يا رب أذلك أدناه منزلة؟" فقال الله: "نعم يا موسى" قال: "فمن أعلاهم منزلة؟" فقال له الله: "أولئك الذين أردت زرعت كرامتهم بيدي فلا تدري عين ولا تسمع أذن ولا يخطر على قلب بشر ماذا أريد أن أعطيهم" ومعنى كرامتهم أي سعادتهم. قال موسى لله: "يا رب كيف لا تأخذك سِنة ولا نوم؟" فقال له الله: "يا موسى ابق الليلة وأنت تمسك بزجاجتين في يدك فبقى سيدنا موسى وهو ممسك بالزجاجتين فغفل فنام فسقطت منه الزجاجتين فانكسرتا. فأوحى الله إليه: "يا موسى لو تأخذني سِنة أو نوم لسقطت السماء على الأرض". فقال موسى وهو يشعر بالحياء من الله وأن الله عظيم يستحق الشكر على هذه النعمة ألا تنطبق السموات على الأرض: "كيف أشكرك وشكري لك نعمة تستحق الشكر؟"، فهذا من توفيقك لي أنك أعنتني على الشكر، فأوحى الله إليه: "يا موسى إذا عرفت ذلك فقد شكرتني". تطرق سيدنا موسى لموضوع آخر، فقال له: يا رب دلني على كلمة أو دعاء أو ذكر أذكرك به كثيرًا، فقال له الله: "يا موسى أكثر من قول لا إله إلا الله" ، فقال له موسى: "يا رب كل عبادك يذكرونك بلا إله إلا الله، خصني بذكر أذكرك به لك وحدك"، فقال له الله: "يا موسى لو أن السموات السبع والأراضين السبع وضعت في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة لرجحت كفة لا إله إلا الله". من ضمن الأشياء التي سأل عنها سيدنا موسي قال: "يا رب إن هناك رجلين من بني إسرائيل أحدهما صالح والآخر عاصٍ، وقبل أن آتي إلى الميقات وجدت الاثنين يدعونك قائلين: يا رب، فماذا فعلت بهما يا رب؟" فقال له الله تبارك وتعالى: "قلت للصالح لبيك عبدي، وقلت للعاصي لبيك عبدي.. لبيك عبدي.. لبيك عبدي" فقال موسى: "أتقول للصالح ذلك وتقول للعاصي ذلك؟". فقال له الله: "يا موسى أما الصالح عندما قال يا رب فكان يعتمد على عمله، وأما العاصي حين قال يا رب فكان يعتمد على رحمتي". يا عصاة، يا من ملئتكم الذنوب، لو ذهبتم إلى الله وعرفتم أنه سيرحمكم سيقول لكم لبيك عبدي.. لبيك عبدي.. لبيك عبدي. مازلنا مع لقاء موسى مع ربه، ونحن نقتطف من ثمار هذا اللقاء: قال الله : "يا موسى إن من عبادي من أدخلهم جنتي وأخيرهم فيها بين قصورها وثمارها وأنهارها ما شاءوا" فقال له موسى: "من هؤلاء يا رب؟" فقال الله: "من يدخل السرور على المؤمنين وعلى أهل بيت من المسلمين" ما أحلى أن تدور على بيت فقير أو أسرة فقيرة فتقيم لهم مشروعًا تساعدهم به فيعود الأولاد إلى المدارس مرة أخرى! هيا نبدأ بها اليوم. قال له الله: "يا موسى أتدري لماذا اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي؟" فقال: "لما يا رب؟" فقال الله تبارك وتعالى: "يا موسى إني قلبت قلوب عبادي ظهرًا وبطنًا في زمانك فلم أجد قلبًا أذل لي من قلبك يا موسى، فأردت أن أرفعك على عبادي". تمنى سيدنا موسى في هذا اللقاء الجميل وبعد هذه الأسئلة، وبعدما أوحى الله إليه ما أوحى أمنيتين: الأولى عندما قال: "يا رب إني قد وجدت في الألواح مكتوبًا أن لك أمة من الأمم الحسنة عندهم إذا هموا بها فلم يعملوها كتبت لهم حسنة فإذا عملوها كتبت لهم عشرة فاجعلها أمتي" فقال له الله: "يا موسى هذه أمة محمد" فقال: "يا رب إني قد وجدت في الألواح مكتوبًا أن أمة تأتي يوم القيامة يكونون هم الشافعون المشفعون فاجعلهم أمتي" فقال له الله: "يا موسى هذه أمة محمد" فقال: "إني قد وجدت في الألواح مكتوبًا أن هناك أمة هي خير أمة أُخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فاجعلها أمتي" فقال له الله: "يا موسى هذه أمة محمد" فقال: "إني قد وجدت في الألواح مكتوبًا أن هناك قومًا هم أكثر أهل الجنة فاجعلها أمتي" فقال له الله: "يا موسى هذه أمة محمد". أمة محمد غالية على الله، لماذا رخصنا أنفسنا؟ لماذا عصينا ونسينا وبعدنا؟ تستطيع اليوم أن تصلي ركعتين في لقاء مع الله وتصلي التراويح وتقرأ القرآن وتسمع كلام الله إليك وتذكر الله فيذكرك هذا هو الهدف من هذه الحلقة المليئة بالروحانيات. في النهاية طمع سيدنا موسى في شيء (...قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ...) (الأعراف: 14?) انظر لأي درجة ملأ الشوق قلبه. فقال له الله: (...قالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا...) (الأعراف: 14?) ولماذا الجبل؟ لأن الجبل قوي وضخم فإذا تجلى الله على الجبل جعله دكا فما بال الإنسان. ثم انظر إلى كلمة " دكا " أي سواه بالأرض ولذلك خر سيدنا موسى صعقًا على الأرض. تأمل في كلمة تجلى واسم الله الجليل (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) (الرحمن: ?7) تستشعر هذا الاسم عندما تقف أمام منظر طبيعي جميل فتعجب به حتى إنك لا تستطيع أن تتركه، أتذكرون أول مرة رأيت فيها الكعبة؟ والهيبة التي شعرت بها؟ هذا في الدنيا التي لا تساوي عند الله جناح بعوضة فما بالك في الجنة ورؤية الله؟ وإلى اللقاء غداً بمشيئة الله مع الحلقة السادسة عشرة من قصص القرآن الكريم .. وللحديث بقية .