أول ما بدأت به غيرت العنوان )كتابة(، ولأن المكتوب لا يبان من عنوانه في كل الأحوال، تركت له بابا مشرعا بالحلم، وليس اللحم كما صار شاعري بسخرية يردد، وقد وصلت الأمور الى هذا الحد.. وواحد من أصدقائي الكناسين الكبار، وصوتي استعاد بعض عافيته، وعادت لي بعض حالات تفاؤلي وعنادي وجنوني وظلي، وزعمي ببطلة نص منتظرة، قال البارحة لي حكاية خرافية، إذ جاءته في الحلم بطلة نص منتظرة، وأفرغت بين يديه حكايتها في الحلم طبعا، انها ذاتها البطلة المنتظرة التي تأتيك من رحم الحلم، ولمعت عينيه بوميض لا أنكره، وتقديرا لمقامه ولئلا يسرف في الكلام، قلت له ببساطة: - لكنك لا تحلم بالنيابة عني..؟ قال بلهفة: - مذيعة ربما تتفهم وضعك..! وحينما لم يجد مني إصغاء، فقد كان يسبح في فضاء خارج فضائي، وظن أن صمتي جزء من حالة فقد الصوت الذي ما زال متعبا، وأضاف ساخرا بيأس: أنا ما دريت أني طحت في بحاح! في صوت صديقي الكناس الكبير سخرية في كل الأحوال، تتناقل أجيال الكناسين نكاته ومقالبه في شبابه قبل أن يصبح واحدا من أصدقائي، واكتشف عمق النكتة في داخله وعلى لسانه، وصديقي هذا كان كناسا ماهرا طموحا في شبابه، وقيل ان كثيراً من الذين برعوا في المهنة، تشربوها على يديه الصغيرتين في تلك المدينة النائية، لقد تعلم مفردات جديدة بسرعة مذهلة، وتجاوز كل الذين سبقوه في المهنة، ومنهم بعض أفراد عائلة أسرة غادة الكناسي، وبدأ نجمه يسطع متجاوزا الصفوف، ولم يكن يريد شيئا إلا لينتقم من تلك الأيام الخوالي في صغره، حينما كان يتبع الكناسين الكبار، وهم يؤدون عملهم، فلا يجد في طريقه شيئا مهما، وحينما كبر وحانت له الفرصة، لم يكن حجرا في طريق الكناسين الصغار، وهذا لم يعجب الشركة الكبيرة التي تعطي أجوراً عالية، تميزها عن كثير من شركات الكناسة، فدبروا له مصيبة وصار بهذه الحالة.. ما جعلني أحب هذا لكناس الكبير بما فيها من تباين، بين حالي وحالته وفارق التجربة والخبرة والذكاء، إصراره في زمن ليس لنماذجه المعاصرة من يقتدي بها وينافسها، إذ استطاع ان يختط لنفسه هدفا قال بعفوية لا تخلو من طرافة بعد ما يئس في محاولة إقناعي بالمذيعة بطلة نص منتظرة: - الله أنت تذكرني أيام زمان - إذاعة هنا لندن.. وضحك صديقي الكناس ملء شدقيه: - تصدق حالتك ذي، مرت علي كنت أحلم بمواصفات ناديه لطفي! لم أكن بحاجة لمناكفة صديقي الكناس الكبير، فقد طوى سنوات بين جناحيه وجوانحه، وليس لدي شك بأن له خيالاً وحساسية مدهشة، يجدر بي وقد رفضت رغبته أن أحترم رأيه إذا تكلم، إذ قال بانسجام تام وفي لحظة صفاء، جئت مثلي مثل سكان مدينتنا هذه، الشوارع تلقتنا بعد أن قذفتنا البيوت، وكانت الدنيا بالنسبة لي شارعا واحدا وطويلا، أبصر في نهايته ضوءا، كأنه آتٍ من نهاية نفق ليس لي مسافة، ولي درب غير هذا الشارع المكتوب فيه أحلامي وطموحاتي وتعبي. في رائحة الطفولة تلك الزيارات الصباحية والمسائية الى مكب )رأس الريع(، نبحث كالدجاج عما كل غريب وجديد، ومن بين هذا الصفيح صنعت لي أول دراجة هوائية، وتعلمت تدخين السجائر من تراكمات تلك الأوساخ، وفي شبابي الغض لا أحصي كم مرت تلك المرأة البدينة التي صرت أناديها )عمتي( غصبا عني، حملتني أكياس النفايات الى الشارع، وفي شبابي المتأخر تعرف كيف صرت في الشركة وكيف أصبحت؟ لم يكن صديقي الكناس بحاجة الى كلمة مني إذا استطعت، فقد استنهض سنوات عمره في لحظة، ودعته وأحلام تلوذ بي جديدة، وبطلة النص )رقم اثنين( المنتظرة، تنتظر. جاءت بعد ما استويت على كرسي، وفي ساعة متأخرة من الليل، وكأني على موعد: السلام عليكم! وعليكم السلام! اتضح مباشرة أننا نعرف معا ما نريد أن نصل إليه، وبدا أني ما زلت أعاني فقد صوتي، كنت متعبا أقرب لصورة مريض للتو خرج من مستشفى، ومن الضروري العلم أننا أحرقنا كلانا أوراقا كثيرة، وقطعنا مسافات جد طويلة ومرهقة الى هذه اللحظة المنتظرة، وأنها بالذات أعدت نفسها لهذه اللحظة، وتوليها اهتمامها أكثر مني، ونضجت التجربة في ذهنها أكثر مني، مسحة أنوثة رقيقة. وقوام متساو وملامح جادة تميز البطلة )رقم اثنين( عما قبلها، حاولت مداهمتها في العمق ودون حفاوة أو أن أتحرك من مكاني، سألتها في نظرة فاحصة: - لي أتوقع اسمك؟ - كل شيء لك إذا صدقت..! وضحكت بخجل، حاولت بعد ثوان تبديده: - تتنبأ بشيء ولا يصح، ليس نهاية الدنيا، وعلى كل حال، لك تتوقع اسمي..؟ - الاسم ليس مهما الى ذلك الحد، بس له دلالة على المحيط؟ وفيما يشبه الاعتراض والرفض المهذب، شعرت أن بطلة النص المنتظرة قد تفلح، وتنتهز الظروف التي مرت بي، وتبدأ في غفلة من مواصفاتي حيثما انتهت سابقاتها، وقد خفت بعد ما وضعت نفسي في مأزق الاسم.. - أنت عزة..! للتو كأني خرجت من الحلم، قلت لها بعفوية فردت: - جليلة اسمى! وفي الحال أخذت يدي وسط ذهولي، بما يجري وسألتني: - كيف شفي جرحك..؟ تملصت يدي بخوف حقيقي، وزحفت بكرسي الى الوراء، ما زالت على حافة الطاولة المواجهة في مكتبي واقفة، بقوامها الممشوق المتساوي بدون زوائد، وفيها رجفة صغيرة تنذر بخطر، امرأة نارية في نهاية عقدها الثالث، انتبهت متأخرا الى هالة السواد تلك المرتسمة بخفاء حول عينها، ازددت رعبا إذ نهضت ذاكرتي بفتاة من عشرات السنين، من رائحة الطفولة في عيادة طبيب، لتداوي ذات الجرح، صحت بها بفرح: - أهلا تفضلي!! أفسحت مكانا لها، ودفعت الكرسي بقدمي، ولم تبعد المسافة أكثر من نصف متر قالت: - خليك مرتاح! قلت بعفوية: - غريبة ما هي عادتي أني أنسى، كيف ما عرفتك؟ - عرفتني لو جئت في الوقت المناسب، إنما المسألة مسافات وحظوظ..! - كيف فهميني هذه لو سمحت..؟ ثنت جسدها الممشوق الى الطاولة أكثر، وغابت من وجهها تلك الحرارة المتأججة، وضمت يديها الى صدرها وواجهتني: - هذا كلام وحكاية طويلة يطول شرحها، وليس لدي وقت كثير، أنا اعتبرني صديقة.. - قلت بجراءة ونفاد صبر: - ما عرفنا الأول حتى نعرف الثانية..؟ وضحكت بجراءة كبيرة وقالت: - يا حليلك أنت أول واحد مفروض يفهم في المسائل! - يبدو أن الحكاية مجرد أحاج وكلام خرابيط..؟ - أنت كذا حاد وعصبي، لم تتغير ولو ظننت أن جرحك شفي، والأيام حقنتك بكثيرمن التجارب والمعارف، وآسفة.. بس أنت كذا.! وظهر عجزي وخجلي قلت بهدوء: - ما تفهميني لو سمحت..؟ - أنا ما أقدر، الشيء الوحيد الذي أستطيع فعله أصحح لك أخطاءك اللغوية الفظيعة! - طيب يا سيدتي.. فيك الخير! وشعرت بحرج ما فعلت! ظهرت سلبيتي وانهزامية مباشرة، إذ اعترفت وقلت لسيدتي بكل شيء!، وكأنما قرأت تفاصيل وجهي في ذات اللحظة، ردت ضاحكة: - ولا يهمك.. كلنا نخطئ، وقتي كله لزوجي وبناتي، أنا قلت بس أساعدك! شعرت أن بطلة النص المنظرة سقطت من بين يدي، وشعرت بأن غرفتي مليئة بالأوساخ، وتوالى تساقط بطلات الروايات اللواتي حضرن ليلة حفلة البارحة، وسمعت طقطقة أخشاب المكتبة، وحركة وضوضاء كأن أناسا يريدون أن يخرجوا، وضوء من بعيد رأيت ظلي وظله )خسفوا..( في ظلاله، وآخرون يختفون في نهايته قلت بحسرة: - ألست أنت بطلة الرواية المتنظرة..؟ صاحت بحياد تام: - منتظرة إيه.. ومن زمان، بس لو وحدي! - كيف.. أنت كلك أسرار بهذه الطريقة؟! سألتها، وقد أيقنت أنها ليست البطلة المنتظرة، وأيقنت أنها هزت لي عرش قناعتي بأشياء كثيرة، ليس أقلها هذا الثبات في شخصيتها وموقفا وكلاما وأفكارا طازجة وحية وفاعلة، وأنها أسرجت في دروب المسافات الطويلة قنديلا ومضت، قبل أن أقول لها كلاما بينا في ذات الللحظة )بأن أخطاء الحياة أكبر من أخطائي اللغوية(، سيبقي قنديلها مضيئا زمنا إضافيا آخر، ليس منتظرا.. رعى الله أيام زمان يا عمتي، الغرفة اليمنى في مدخل البيت، اصطلح على بقائها خالية من أي ساكن، ولأن بها جهازا تلفزيونيا، وقريبة من غرفة عمتي، فقد احتلتها مع سبق الاصرار والترصد، وإذ مهدت بحيل كثيرة لاحتلالها فظلت حجة حاجة الحمام الكبير الفاصل بين الغرفة والصالة الخارجية أريح، والدفاع الجاهز الذي ترميه عمتي في وجوهنا، كل ما شمت رائحة احتجاج وبالذات نهار الجمعة، إذا دخلنا هذا الحمام الفسيح للاغتسال، أما أن يصل بقاء رائحة العطور، والكيماويات وخصلات من شعرها يعبق بها المكان والأوساخ متناثرة التي صارت عمتي، لا تأبه بأحد يعرف، بعد أن كان هذا من المستحيلات، الأمر الذي لم يعد أبي يحتمله: - أنتي يا متخلفة الناس يوم الجمعة ينظفون نفوسهم وينظفون بيوتهم! وتسرع أمي إليه وبين يديها فوطة وملابس داخلية، وفي يده عدة الحلاقة وعلى رقبته ورأسه المنشفة وسمعت ببغائي الخبيث )إيط.. إيط( وجاوبت أمي: - الجن كل ما أنظفه يوسخونه! - جن اللي في رأسك.. اختفيت فربما حاول أبي ابتلائي بقضية بيتها لي، وربما يحاول صد عمتي للدخول عن مواجهة قد يصغر عندها، وليس بينه وبين أمي حجاب، فقد تمتد يده في غياب أخي الأصغر إليها بقوة، ولا تواتيني شجاعة مهما حدث لأصبح كبش معركة، ليس لي فيها لا ناقة ولا جمل، وكما كان متوقعا علا صوت عمتي: - اللي معه فكر ما يقعد في معقد رخيص.. أنت إلى هذا الزمان ما شبعت من الدنيا، الحر يقعد في المقعد العالي! لم تفض عمتي معركة الحمام المليء بالأوساخ، بل أشعلت أركان البيت بحرائق منتظرة، ودخلت أمي الى الحمام كضبعة ويدها على أنفها، انسحب أبي وتبعته عمي كأن شيئا لم يكن.. أخي الصغير ورفيق أبي وعضده وساعده الأيمن، أما أبي فلست في نظره ونظر عمتي، غير خائب لا يرتجى منه شيء مفيد وظننت أن أخي الذي بيني وما بينه مسافة، كتلك التي ما بين أبي وعمتي سيغفر لي، بسنوات أقل من عشر يصغرني، كنت معنيا في تلك الطفولة الباهتة بتعليمه )أ.ب( ، وحينما يغضب مني إذا لم يفهم وزجرته بعنف، سرق مني قصص الزير سالم وألف ليلة وليلة،وسيف بن ذي يزن التي استعرتها، من مكتبة المدرسة الوحيدة في بلدتنا، ورمى بها في روث وبين رجلي بقرتنا المعضل، تلوك الزاد الذي قربته لها أمي.. لم يتوقف سيل دموعي بعد أن أكلت النار كتبي، وعجزت في ذات اللحظة تأويل ما حدث، فمرة أصدق أن عمتي أحرقت كتبي، التي تعد أول أمانة في حياتي فرطت فيها، بسبب خوفها أن تذهب هذه الكتب بما بقي من عقلي، ومرة أصدق أن أخي الأصغر أحرقها، لأني أحوز على حضور بين النساء المسنات، وأتفاصح في مرات بين الرجال، في تلك الليالي الباردة يشربون الحليب ممزوجا بجنزبيل مطحون وحارق، حيلة أمي في مثل هذه اللحظات من الغضب وقلة الحيلة، تفلت صوت لا ينافسها فيه غير ببغائي العظيم، أمي لها صوت حسن وتظن أنها شاعرة بارعة، مرة تآمروا عليها عمتي، وأختي الكبيرة، وأخي، وسجلوا لها إذ ذات عصر كانت في المطبخ تغني: يا علي بن حسينü هيلا على الخوان هيل كيف ترمي الحصن.. ذا هيبته تحمي بلدنا..؟ والله عشر إيمان يا بعضكم ما هو بهيل يوم جاء الله بالسلامة يقول انه ولدنا.. و )المقشة(ü بين غامد ديتها ثامنة. وتظل أمي تولول خاصة في غياب أبي بعد معركة خاسرة، قالوا لها بخديعة: - نخليك تغنين في )ال ام بي سي(، وبكت بحرقة شديدة، وأظن أنها مؤامرة من صنيع عمتي، وحيث لم يعد ينفع ندم أختي.. ذهلت إذ في ذات اللحظة التي اتخذت فيها قرارا، بعدم الذهاب مع أفراد البيت استجابة دعوة الى حفلة زفاف، صديقي الكناس الحميم الذي غرس دعوته في عين الباب، والحفلة التي تنتظرها عمتي بفارغ الصبر، وقد صبغت شعرها بكيماويات ذات رائحة عطرية نافذة، وصوت صديقي الكناس يحادثني: - لا تتأخر أنا قلت أنبهك ولا تنسى..! - الله يسلمك! كأنه لم يكمل ويريد أن يضيف: - سلامات سمعت أنك فقدت صوتك.. - الله يسلمك أنت تعرف الصوت مسألة بسيطة، طيب اتصلت لتعذرني..! - لا.. لا أبي أشوفك وتشوف الناس، وما فيه داعي تلخبط حالك..؟ صاحبي الكناس من أخوال عمتي التي تغمز أبي، وتسعى الى المس بي كل ما طرأ لها بدون تحفظ، ولم يعنني أن تزعم الغضب، في غيابي الليلة عن الحفلة مرات، وتصفني بما طاب لها مثل ما لو حضرت، ويلي إذ لقيت لها سوقا وصرت ضحية الليلة، اعطوني السيارة الصغيرة ومعي أخي وعمتي بالغصب، وأبي وأمي وأختي معا ومعهم ساري، وفي آخر الليل لي حريتي التي لن تمس أبدا فضاء عمتي الجديد.. أخذني صديقي الكناس الذي له في العرس قرص، ولو بقيت )المباركة( لكان له فيها مدة طويلة، الى زاوية جانبية في بيت الزواج في طقس كناسي بديع، وكؤوس الشاي تأتي وتروح من كل مذاق، أشعلت بعد العشاء سيجارة، وما زال الكناس ملازما لي، أميل الى سيارتي الصغيرة بجسدي فوق مؤخرتها، ودخان سيجارتي في الهواء، قال الكناس حكاية حفلة الزفاف في غفلة مني، إذ كان يحدثني عن مكان العيد مع أسرته، وربما سمعته في فاتحة المبالغة قال: - خلينا نهاجر! لم أكن أدرك كيف يحدث؟، لو لم يحضر الكناس حفلة هذا الزفاف لقريبه قريب عمتي، وأخرجت سيجارتي وأشعلتها وكان كظلي ونسيت، وفجأة! انفجر ضاحكا تعرف القصة قلت لا، احتشد الكناس في فرح مفعم وحميم وقال، رفيقنا تأخر في الزواج، تشوفه اسمر ربعه بيض، )وخسفوا( أخذ عروسه الله يرحمه، قلت )خسفوا لم يمت(، قال الله يرحمك، أنت ربما تعرف )خسفوا( آخر. كان أولى ببنت خاله! كنت أغني في طريق عودتي وحيدا آخر الليل، من ظلي وشاعري وهواجسي وأوهامي تطوف بدراما عمتي، أتوجس ألا تخرج بحكاية جديدة، وربما مصيبة لن تبقيني من شراكها بعيدا، أختي لم تعد المحامي البارع لي، كل ما اشتدت أزمتي بين العائلة من أي طرف حقا، وصدقا، وزورا، وبهتانا، ساري صار محور حياتها وزوجها وبقية أفراد العائلة، خارج هذا الفضاء، وصرت الخاسر الوحيد، زوجها الطيب أحبه ويحبني ويقدرها، يحب ما تحب وصب عطفه وأبوته إلى ساري.. أبي في باب الخروج، تناول ساري من حضن أختي الكبيرة وقبله، وبعيدا عن تسلط عمتي ربما أبي يحدث أختي الكبيرة عن الميراث، أخي الأصغر في السيارة الصغيرة حدثني عن الميراث، وحينما لم أصغ إليه أظن أني سمعته قال لي: - أهبل ومجنون خلك في بحرك حتى يرسي شراعك! ضحكت لصديقي الكناس لسؤاله صاحب حفلة الزفاف، في إشارة الى الزواج المتأخر لصاحبه الكناس وكيف يشوف اللي أحجار كشافه ضعيف..؟ ظللت أسأل نفسي في دروب المسافات الطويلة، إذا بقيت أحجاري قوية لأعبر بها هذا الفضاء، إلى رهاني الأكيد الى بطلة النص المنتظرة، وسمعت جلبة في داخلها صوت حساس: - اني قادمة! تلفت يمينا وشمالا، كان الزجاج مغلقا في سيارتي الصغيرة، قلت مزحة! البيت فارغ لم تضىء بعد مصابيحه، اللمبة الوحيدة في الصالة تركتها أمي مضيئة، لتطرد الأشباح وترهب اللصوص من دخول البيت في غيابنا، كان الضوء خافتا والصمت مطبقا، وهي بين عيني لكني لم أرها، وقالت لي وساوسي وهواجسي ستأتي!، ولست جازما إن كانت بذات الطريقة السابقة مع )صفر( والشاعرة كاتبة قصص الأطفال، والمصححة اللغوية لأخطائي، والمذيعة شبيهة نادية لطفي في شباب صديقي الكناس، أمشي وأترقب ظلي الى جانبي يمشي مخاتلا، أصعد إلى الصالة المواجهة لباب غرفتي، أضيء اللمبة الأخرى، وأفتح فمي المطبق وسط صمتي، بدون صوت.. قصيدة شعبية قديمة لشاعر لم يذكر اسمه، تتحدث عن الغدر والخيانة والخديعة. المقشة وهي مفردة شعبية تعني المكنسة المصنوعة من الخسف.. يبيعها النساء فقط، مع حاجاتهن من حناء وغلف وغيرها، في أطراف الأسواق وثمنها ربع مد من الحب.