هذا الأسبوع هو الثالث منذ بداية الفصل الدراسي الأول من ثلاثة فصول تستمر حتى اليوم الأخير من الشهر الأخير من العام الهجري الحالي. لنتأمّل في الموقف الذي وجد المعلّم نفسه يعيش فيه. كيف يشعر هذا المعلّم النبيل الذي يضطلع بمهمة تربية أبنائنا في هذا العصر المجنون الذي نعيشه اليوم؟ ربما لا توجد مهنة على ظهر الأرض أنبل وأشرف من هذه المهمة التي يضطلع بها هذا المعلم. كيف حاله؟ وكيف أصبح دوره في ظل الضغوط الكبيرة التي يعيشها، وتكالبت عليه من كل جانب؟ لعلّنا نقف هنا في هذه العجالة أمام خمس صعوبات مقلقة يواجهها المعلّم تقضّ مضجعه وتجعله معزولاً وحيداً يصارع من أجل البقاء. أولاً: وجد المعلم نفسه مؤخراً أمام أكثر من 35 إلى 40 طالبا في الصف الواحد. تخيلوا! 24 حصة أو تقترب منها في الأسبوع أمام هذا العدد الكبير من الطلاب في غرفة واحدة وباب مغلق. كيف سيستجيب لرغبات هؤلاء كلهم؟ كيف سيتحدّث معهم؟ أي عصا سحرية يمكن أن يستخدمها المعلم لكي يؤدي مهمته على الوجه الأكمل؟ أي بحث تربوي تم اعتماده يمكن أن يدعم هذا التكدّس؟ ثانياً: وجد المعلم نفسه أمام قلق اختبارات دولية ووطنية لا تنتهي تعقدها مؤسسات وهيئات دولية ومحلية لا علاقة لها بالمدرسة إلى الدرجة التي تحوّل فيها العام الدراسي إلى ماراثون طويل من الاختبارات المتلاحقة دون أن يجد هذا المعلّم المغلوب على أمره الفرصة لتعليم وتربية طلاّبه. أصبحت مهمة المعلّم موجّهة نحو هذه الاختبارات التي يتم استخدام نتائجها في مساءلته وربما عقابه والحكم على جودة التعليم كما لو كانت مؤشرات مؤكدة تكشف عن أداء هؤلاء الطلاب في حياتهم خارج المدرسة. الشيء المهم في التربية هو ما تحدثه من آثار ونتائج خارج المدرسة وليس مجرد وضع علامة رمادية في اختبار اختيار من متعدد أعدّه شخص لا علاقة له بالمدرسة من بعيد أو قريب. ثالثاً: وجد المعلّم نفسه أمام قلق اختبارات مهنية يجب أن يخوضها بنفسه هذه المرة، وليس طلابه، وأصبح المسكين يبحث عن الملازم والمذكرات في المكتبات العامة التي تساعده على اجتياز هذه الاختبارات التي تنتمي إلى نفس النوع الذي يخوضه طلّابه. هل تعكس هذه الاختبارات ما يقوم به المعلم من أداءات تدريسية داخل الصف؟ هذا سؤال لا يعرف المعلم إجابته. رابعاً: وجد المعلّم نفسه أمام قلق انتظار ثلاثة فصول طويلة مملة تبدأ مع بداية العام وتنتهي مع نهايته دون أن يكون له متّسع من الوقت لالتقاط أنفاسه والتأمل في الدور الذي يجب أن يؤديه. كما أن طلاّبه لم يجدوا الوقت لممارسة الأشياء التي تعلّموها في المدرسة وتطبيقها في الحياة الحقيقية خارج أسوار المدرسة. أعاقت الإجازات المتقطّعة القصيرة العملية التعليمية فبمجرد أن يتكيّف الطلاب مع الذهاب للمدرسة والانتظام في الدراسة، تأتي الإجازة لتوقف دورة التعلّم ثم البدء من جديد. خامساً: وجد المعلم نفسه أمام قلق تحدّيات وظيفية وجودية تتعلق بعقود اصطلح على تسميتها بالمكانية أو السنوية وانتظار تجربة الخصخصة وتحديات أخرى يفرضها الذكاء الصناعي والتعليم عن بعد. ليمنح الله المعلمين القوة والصبر.