يحكى أن فارساً عربياً كان يجوب الصحراء على فرسه ، فوجد رجلاً تائهاَ يستصرخ عطشاً ، وبحمية أهل الجاهلية ، فقد روى ظمأه ثم أركبه على فرسه لينقله بعدئذ إلى حيث الماء والمأوى ، ولكن الرجل غدر به وسرق فرسه ثم لاذ بالفرار ، وهنا أدرك هذا الفارس الشهم ، أنه تعرض لعملية سطو ، فصرخ بذلك الرجل الهارب ، قائلاً له أرجوك لا تخبر أحداً عن قصتي ، وأخشى حينها أن ينقطع الخير بين الناس. ما أصعب أن يعيش الانسان في مجتمع انحدرت قيمه الأخلاقية ، وأصبح المرء فيه سجين غرائزه الفطرية وأسير نزعاته العدوانية ، حيث لا صوت للعقل ولا تحكيم للضمير ، وحيث المنابر الإعلامية هي ساحة الحرية لتبادل الشتائم وهتك الأعراض ، وحيث لا مروءة لرجل يكفل المجتمع ولا إقدام لبطل يردُ العدا .. الفيلسوف اليوناني افلاطون عرف المدينة الفاضلة بأنها مدينة خيالية يحلم أن يسكنها أناس طيبون يعيشون في سلام ووئام ،نشأوا على فضائل الحكمة والعفة والشجاعة والعدل ، أما الفيلسوف سقراط فرأى أن الفضيلة مرتبطة بالمعرفة ، والانسان لا يبتعد عن الفضائل إلا حين يجهل معنى الشر ، ولكن الفيلسوف أرسطو ، فقد ذهب إلى أبعد من ذلك وعرف أساس الفضائل بأنها " خضوع جل ّالشهوات لحكم العقل ". وبما أن الفضيلة ، قد هذبها رقي العقل وتقدم المدنية ، فقد نالت أعلى درجات الخلق الرفيع واستحق فاعلها الثناء الجزيل ، تقديراً لما أحدثه من تغيير وإصلاح في نطاق أسرته وعلى أفراد مجتمعه ، ولهذا نرى أن الإتقان في العمل هو فضيلة يزيد من فرص نجاح أي مشروع ، وأن التصدق بالمال هو فضيلة تزكي الروح وتعين المحتاج ، وأن تعويد الطفل على النظافة وقول الصدق ، من الفضائل التي تتأصل في تربيته فيصبح مكلفاً بها ومسؤولاً عنها ، وأن الصبر على مغالبة الصعاب ، من الفضائل التي تحدّ من الهلع والجزع وتستنبط الحلول ، وأن الإنضباط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ، هي فضيلة يجب أن تكرَّس بقوة في عالمنا الافتراضي المفروض، وأن العمل التطوعي ومساعدة الآخرين ، هو من الفضائل التي تعمّق الإحساس بالمسؤولية وتسهم في تدريب الشباب وصقل مواهبهم ، وأن النزاهة ومحاربة الرشوة في أجهزة الدولة هي من الفضائل التي تحمي الحقوق وتدعم القوانين يقول جبران خليل جبران : الوفاء هو أن تعجز عن الخيانة رغم قدرتك عليها ، وحتى يعمّ الخير ولا تموت الفضيلة ، حافظ عزيزي القارئ على مبادئك وأنت في أسوأ الظروف ، حافظ على وعيك في زمن يتخطف العقول ، حافظ على إنسانيتك مهما قابلت من خذلان ونكران , دافع عن ولائك للوطن في زمن طغيان العولمة ومحو الهويّات ، وقل خيراُ فتغنم أو اصمت عن الشر لتسلم وتذكر ما قاله الشاعر زهير بن أبي سلمى : ومن يك ذا فضل فيبخل بفضله .. على قومه يستغن عنه ويذمم