أكتب هذا المقال وأنا في طريقي إلى سويسرا لتسلُّق قمة جبل ماتاهورن ،وهي أول عودة لي بعد إتمام مغامرات القمم السبع، فلقد أدركت -للأسف- أني مدمن ولا أستطيع البعد عن تلك القمم، فبفضل من الله وبحمده، أنعم الله عليّ أن وفقني لتسلُّق أعلى القمم في القارات السبع، وهو مشروع استغرق مني سبع سنوات كاملة من الجهد والمثابرة والإصرار، بدأت تسلُّق القمم من قمة كلمنجارو في تنزانيا، مروراً بباقي القمم بما فيها قمة إيفريست الشهيرة ،وانتهاءً بقمة جبل دينالي في أمريكا الشمالية. ومن خلال تجربتي في تسلُّق الجبال ،أدركت أن جمال الجبال لا يكمن فقط في عظمتها وارتفاعها، بل أيضاً في التحدّيات التي تشكّلها لمن يرغب في تسلُّقها ،وأن جمال الجبال يكمن في أنها توفِّر لنا إحساسًا بالمنظور. عندما نتسلّق جبلاً، فإننا مجبرون على النظر إلى الحياة من وجهة نظر مختلفة ، وإدراك مدى صغر حجمنا مقارنةً باتساع الطبيعة ، والتواضع في التواجد وسط هذا الإتساع . إن تسلُّق الجبال، والذي يتطلب قدرًا كبيرًا من القوة البدنية والعقلية والتحمُّل،يعلمنا دروسًا قيّمة في المثابرة والتصميم ، ذلك أنه ليس من السهل تسلُّق الجبل، ففي بعض الأحيان قد يستغرق الأمر أيامًا أو أسابيعاً أو أشهراً ،وكل خطوة إلى الأمام ،هي صراع واختبار لقوة إرادتنا ، وعندما نصل إلى القمة، نتعلم فوائد المثابرة والتصميم، وهو شيء يمكننا تطبيقه على جميع جوانب حياتنا ،وفي تسلُّق الجبال إختبار لحدودنا ، فكلما تسلّقنا إلى الأعلى، أصبحنا أكثر وعيًا بذواتنا، وهذا يجبرنا على مواجهة مخاوفنا ونقاط ضعفنا. لقد تغلّبت في هذه الرحلات ، على التحدّيات التي لم أكن أتخيل مواجهتها بطريقة أو بأخرى ، وما يثير إهتمامي حقًا هو أوجه الشبه التي أراها بين تسلُّق الجبال والحياة اليومية، حيث كان تسلُّق الجبال فرصة لاختبار قوتي بعد أن قررت الخروج من منطقة الأمان الخاصة بي واكتشاف المزيد عن نفسي وقدراتي. العالم عبارة عن فصل دراسي، وأنا أكتسب معرفة جديدة من كل تجربة، والأمر لا يتعلق بالفوز أو الخسارة، بل يتعلق بارتكاب الأخطاء والتعلُّم منها. إن المخاطرة غير الضرورية ليست خيارًا إذا أردنا تحقيق النجاح. إن تسلُّق الجبال مغامرة محبّبة ،وأنصح بها وبشدّة ، شرط ألا تكون هناك عوائق صحية. يقول الله في محكم التنزيل : (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ).