حياتهم تتبدل، روتينهم يتغير، وصحتهم تمضي للأفضل بفضل النظام الغذائي الصحي، وتجنب ضغط العمل والتفكير المستمر، فالمتقاعدون يرون أنهم يدلفون إلى حياة أخرى غير التي عاشوها على مدى سنوات طويلة ربما تتجاوز نصف العمر أو أقل بقليل، بعد أن استمتعوا بأوقات الصبا وجزءاً يسيراً من عمر الشباب، شغلتهم الحياة العملية، وغرقوا في بحور سعيها لتوفير ما يعينهم على المتطلبات اليومية إلى أن جاء التقاعد، مسدلاً الستار على مرحلة مليئة بالتحديات والإنجازات والتقدير الاجتماعي والمهني، ليصبح المتقاعد ملك نفسه، ولا يشغله شأن، لكن هذه الحرية التي نالها تحتاج إلى رسم وتخطيط حتى تستثمر هذه المرحلة بشكل صحيح لتكون فترة مريحة وسعيدة. "البلاد" التقت عدداً من المتقاعدين ، مبينين كيفية استثمار الحياة بعد التقاعد، وأهم الطرق للتخلص من سلبياتها، إذ يقول رئيس لجنة المتقاعدين في اللجنة السعودية للرياضة الأساتذ عبدالإله حسين الجبالي: "لا شك في أن حياة العمل لها تأثير (إيجابي، وسلبي)، فهي تؤمن حياة مستقرة للفرد ولأسرته، بينما تكون مقيدة بأنظمة وتعليمات، فغالباً يسير الفرد وفق متطلباتها ومتغيراتها، وثمرة ذلك تعود على الفرد وأسرته بالمصلحة العامة، وينتهي به المطاف بالتقاعد، فهذا واقع لا محالة. وبالتأكيد التقاعد يؤثر في الجوانب الحياتية المضيئة، مثل: (الصحة العامة، الأسرية، الاجتماعية، الترفيهية، الروحية، الثقافية، العلمية والرياضية)، فجودة حياة الأفراد الفعلية تبدأ بعد التقاعد وهي سلاح ذو حدين، فللفرد الخيار إما الاستمتاع بها أو الهزيمة -لا سمح الله- فهو صاحب القرار الأول والمسؤول عنه وفق رغباته واهتماماته وقدراته". وأضاف الجبالي: "يبدأ التقاعد، وينشغل الأفراد في كيف وماذا يفعلون؟. فقد تخلصوا من ضغوط العمل فالوقت مفتوح والأبواب مشرعة. وأنا أعترف بأنه داهمني الفراغ والأمراض المزمنة، ولكن رؤية 2030 وفرت فرصاً كثيرة لا حصر لها للمتقاعدين، ومن وجهة نظري كمتقاعد أضع الأولوية لجودة الحياة الفعلية، فالرياضة بأنواعها متاحة لجميع الفئات العمرية مواطن ومقيم على حد سواء فالعمر مجرد رقم". ويرى الجبالي أن الترغيب في ممارسة الرياضة مطلب بما يناسب رغبات الشخص واهتماماته وقدراته، مضيفاً: "بفضل من الله تعالى بعد أن مارست الرياضة (المشي، الجري، وقليل من الأوزان والرياضة المصاحبة لها وتنس الطاولة) ،شعرت بصحة جيدة وجسم رشيق متماسك ولياقة بدنية جيدة وتركيز عالٍ"، مقدماً النصح للمتقاعدين بأن يتمتعوا بالحدائق الخضراء المنتشرة في كافة الأحياء، والاستفادة من الممشى المصاحب لكل حي، إضافة إلى التنقل بين مصائف المملكة والاستمتاع بجوها العليل، وتراثها العريق، وفولكلورها الأصيل، والتذوق من ثمارها اللذيذة، فالترفيه مهم جداً وهذا لا يمنع من إعطاء الشخص لنفسه فرصة التنقل بين الداخل والخارج. ومضى قائلاً: "لا شك في أن الحنين يعود بنا إلى حياة العمل وأنظمتها ومتطلباتها وذكراها الجميلة، فهذه استراحة قصيرة جميلة ننطلق بعدها لنواصل رحلتنا والتمتع بما بقي لنا من حياتنا الفعلية، فعلينا أن نمارس بصدق كل أو بعض المتاح من الجوانب المضيئة فيها مثل (الروحية، الرياضية التي تؤثر بشكل فعال في الصحة العامة، الأسرية، الاجتماعية، الترفيهية، الثقافية والعلمية) فلك الاختيار أن تقدم أيهما على الآخر وفق اهتماماتك ورغباتك وقدراتك. وفي السياق ذاته، قال سامي علي المالكي: "التقاعد مرحلة من مراحل الحياة قد تكون الأكثر صعوبة إذا لم يتم التخطيط لها جيداً، مرحلة التقاعد هي الأجمل في حياة الإنسان والأكثر استقراراً فيها يستثمر الشخص عصارة معارفه وتجاربه وخبراته ويتفرغ لممارسة هوياته أياً كانت وكذلك لحياته الخاصة ، لافتاً إلى أن التخلص من الضغوط يعني صفاء الذهن والفكر وحياة مستقرة، مما يساهم في حالة صحية جيدة للشخص، إلا أن البعض يفتقدون للحياة العملية. وتابع: للأسف هناك في مجتمعنا من ينظرون إلى مرحلة التقاعد على أنها بداية النهاية، وهذا ليس صحيحاً. من جهتها، قالت الأخصائية الاجتماعية دعاء زهران: "يعيش الفرد حياة مليئة بالكد تتمثل بالتعليم والتدريب والعمل وتطوير الذات، وتستمر لعدة سنوات لإثبات الذات وكسب الرزق، وبعدها تأتي مرحلة التقاعد، وهي مرحلة التحصيل والراحة وممارسة الهوايات التي كان الفرد منشغلاً عنها، فالبعض يستمتع بها، ويتعايشها بشكل مدهش كممارسة الرياضة والاهتمام بالصحة والسفر، وغيرها، من متع الحياة والبعض تكون له مرحلة صعبة وإحساس بالضعف وعدم الإنتاجية وقلة الحيلة، فتكون ردة فعلهم غير متوقعة، كالتدخل بأمور البيت ومحاسبة من حولهم بطريقة مزعجة، فتكون ردة الفعل هي التذمر ممّن حولهم، لذلك على الفرد أن يتهيأ لمرحلة جمع المحصول (جني الثمار)، ليستقبلها بصدر رحب وروح طيبة وثقة عالية. وعلى الجهات والمؤسسات تهيئة الموظف لهذه المرحلة بطريقة تدريجية مختلفة بتقليل المهام والاستفادة من خبراته وتدريب من بعده، وليس مفاجأته بإنهاء خدماته أو توقفه بين يوم وليلة عن روتين يومي عايشه لسنوات طويلة.