نحتفل نحن السعوديون كل عام بيوم التأسيس، وهي مناسبة وطنية نظهر فيها اعتزازنا وفخرنا بالجذور الراسخة لهذه الدولة، وفرحنا بما حققته من وحدة وأمن واستقرار، وباستمرارها في البناء والحفاظ على اللحمة الوطنية والتنمية الشاملة. وهي مناسبة لاستذكار رجال ضحوا بالنفس والنفيس لنعيش نحن اليوم في ظل دولة يعمّ الأمن والأمان في ربوعها، وينعم الناس بالخير الوفير والعيش الرغيد، وعلى رأس أولئك الرجال الإمام المؤسس محمد بن سعود بن محمد بن مقرن. ولد الإمام محمد بن سعود في الدرعية سنة 1090ه/ 1679م، ونشأ نشأةً صالحة في أسرة محافظة توارث رجالها الحكم في الدرعية، فاطلع على خبايا السياسة وخبر دواليب الحكم، وحباه الله تعالى بجملة من الصفات القيادية التي أهّلته لأن يلتف الناس حوله ويبايعونه في عام 1139/ 1727م؛ فسعى في أول الأمر إلى توحيد شطري الدرعية تحت حكم واحد، وتقوية مجتمعها، وجمع كلمة أبناء الأسرة الحاكمة، ورصِّ الصفوف، ومناصرة الحركة العلمية والإصلاحية وحمايتها، ثم دعا بلدات نجد إلى الانضواء تحت راية دولة واحدة موحّدة، فارتقى بالمفهوم السائد في نجد وعموم الجزيرة العربية آنذاك – وهو دولة المدينة – إلى تأسيس كيان سياسي مستقلّ انضوت تحته أكثر البلدات في نجد، وبذلك تأسست الدولة السعودية الأولى التي تمكّنت لاحقاً من توحيد معظم أرجاء الجزيرة العربية. هذه مناسبة نستذكر فيها ما عاناه شعب الجزيرة العربية من الآفات الاجتماعية قبل تأسيس الدولة السعودية الأولى، وما شهده الناس من التفرّق والتشرذم، وكثرة حوادث السلب والنهب، واختلال الأمن في الطرق والمسالك؛ فطوى تأسيس هذه الدولة السعودية – بحمد الله – تلك الحقبة الغابرة بجميع آفاتها وآلامها، وقلبت صفحة جديدة بيضاء ناصعة من صفحات التاريخ دُوّنت فيها الملاحم والوقائع التي قادها رجال عظماء جاهدوا بأموالهم وأنفسهم لننعم نحن بعدهم. إنها مناسبة نستذكر فيها أولئك الأبطال والشجعان الذين تصدّوا لحملات الغزو التي سيَّرها أعداء الدولة السعودية من مختلف الأقطار لإسقاطها وتدمير مقدَّراتها، فجاهدوا بأموالهم وأنفسهم واستُشهد كثير منهم في عدد من الوقعات والمعارك. نستذكر في هذه المناسبة كيف كانت الدرعية منارةً للعلم والثقافة، تستقطب العلماء وطلبة العلم من كل حدب وصوب، وتُعقد فيها مجالس العلم والتعليم، وتقام فيها الأسواق ويؤمّها الحجّاج والعُمّار لينعموا بالراحة ويتزودوا لبقية رحلتهم إلى البقاع المقدّسة. إنها مناسبة عظيمة ينبغي علينا أن نستشعر ما فيها من العبر والعظات، ولنعلم أن إعلان توحيد المملكة العربية السعودية الذي كان على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيّب الله ثراه، لم يكن إلا الخطوة المباركة الأخيرة في مسيرة مئات الخطوات التي خطاها أئمة الدولة لإقامة هذا الكيان الموحَّد بقيادته وشعبه، وكانت انطلاقتها قبل 300 عام بتأسيس الدولة السعودية على يد الإمام محمد بن سعود الجد الثالث عشر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، وهي باقية بإذن الله مستمرة في مسيرة التنمية والبناء. جامعة الملك سعود