تتقدم السياحة السعودية بسرعة قياسية بفضل الاهتمام الكبير بها والسعي لتعزيزها لتكون المملكة قبلة للسياح من مختلف دول العالم، ما جعل السعودية تحقق إنجازاً مميزاً ضمن مؤشر تطوير السفر والسياحة (TTDI) الصادر عن منتدى الاقتصاد العالمي (WEF) حيث قفزت عالمياً إلى المركز 33 متقدمة 10 مراكز دفعة واحدة مقارنة بالعام 2019. ويستند المؤشر على العديد من المؤشرات والعوامل والسياسات التي تقود لتطوير واستدامة ومرونة قطاع السفر والسياحة بما يساهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، تشمل المعايير الأعمال التجارية وظروف السلامة والصحة والبنية التحتية والموارد الطبيعية والضغوط البيئية والاجتماعية والاقتصادية، وجميع هذه المؤشرات وفرتها المملكة بأعلى جودة لأجل سياحة يتحدث بها العالم تماشيا مع رؤية 2030 التي اهتمت بهذا الجانب تحقيقا لجودة الحياة. وتبرز محافظة العلا شمال غرب المملكة بحلة سياحة زاهية تحمل شواهدا تاريخية حية، وأصول ثقافية صاغتها حضارات متعاقبة منذ أكثر من 200 ألف عام، وكانت مقصدًا لرحلات الرحالة والمستكشفين، ولا تزال حتى أحد أهم مواقع الاستكشافات التاريخية نظير ما تختزنه من آثار. وتضم العلا معالم تاريخية إنسانية، يظهر من بينها موقع "الحِجر" الذي بنته إبداعات الحضارة النبطية، وسُجِّل الموقع بوصفه أول موقع تراث عالمي لليونسكو في المملكة، وتضم كذلك مملكتَيْ لحيان ودادان الأثريتين خلال زمنين متعاقبين، في المدة ما بين القرن التاسع قبل الميلاد، حتى نهاية القرن الثاني أو بداية القرن الأول قبل الميلاد، إضافة إلى "البلدة القديمة"، التي كانت ملتقى قوافل الحجاج منذ أكثر من ألف عام. واجتمعت في "العلا" عوامل الجذب التاريخي والجغرافي، فهي واحدة من أهم الأماكن الأثرية في العالم التي تحكي معالمها تاريخ حضارات إنسانية، وتمتاز بجمال طبيعي وتراث إنساني نوعي، يجعلها في مستهدف رئيس أكبر متحف حي في العالم، ولتوفر وجهة فريدة تجربة سياحية عالمية مميزة وفق ما تعمل عليه الهيئة الملكية لمحافظة العلا. وتستمر رواية فصل جديد من تاريخ العلا في إطار ما نصت عليه رؤية المملكة 2030، من تعظيم الاستفادة من الإرث التاريخي الذي تتمتع به أرض المملكة. وأطلق سمو ولي العهد الرؤية التصميمية لمخطط "رحلة عبر الزمن"؛ بهدف إحياء وتأهيل المنطقة الأثرية الرئيسة في العُلا بشكل مسؤول ومستدام، في بيئة ثقافية وطبيعية فريدة، حيث يُعد المشروع محطة رئيسة ضمن برنامج تطوير العُلا وتحويلها إلى وجهة عالمية رائدة للفنون والتراث والثقافة والطبيعة؛ تحقيقًا لمستهدفات رؤية المملكة 2030. ويتكون مخطط "رحلة عبر الزمن"، من 3 مراحل رئيسة، ومن المقرر أن تكتمل أولى مراحله بنهاية العام 2023م، حيث تهدف إستراتيجية التطوير عند اكتمالها في عام 2035 إلى توفير 38 ألف فرصة عمل جديدة، بالإضافة إلى الإسهام بمبلغ 120 مليار ريال في الناتج المحلّي الإجمالي للمملكة. ويؤكد المخطط التزام المملكة بالحفاظ على التراث العالمي وصونه، حيث استند مخطط "رحلة عبر الزمن" على دراسات علمية مكثّفة حول الأنماط البشرية والتطور البيئي والجيولوجي في العُلا، أشرف عليها فريق من الخبراء السعوديين والدوليين على مدى السنوات الأربع الماضية؛ لتحقيق مفهوم التكامل مع الطبيعة والاحتفاء بالإرث الثقافي والتاريخي للمحافظة، بينما تعد محمية "حرة عويرض" أكبر محمية طبيعية في محافظة العلا من بين المحميات الخمس الأخرى، حيث تحتوي على 19 نوعاً من الحيوانات المهددة بالانقراض، وعلى 43 نوعًا من الطيور؛ منها 8 أنواع جارحة، كما تحتوي المحمية على 55 نوعًا من النباتات النادرة. سياحة بأحضان الطبيعة وبين أحضان الطبيعة البكر والهادئة، تلعب فلسفة النزل الريفية في محافظة الطائف دورًا حاسمًا في الثقافة السياحية، فهي بيئة خصبة وعامل رئيسي لجذب المزيد من الاستثمارات، حيث أصبحت هذه النزل متنفس يتوافق مع أذواق العديد السياح في المملكة والخليج والعالم، وسط أجواء الريف التي أصبحت حلم الكثير لقضاء أوقات ماتعة والاستمتاع بمشاهدة إطلالات جبالها الخضراء وهي تلتحف الضباب وترتوي ومع ترانيم الأمطار وهي ترتوي بسقيا السماء. ويركز الكثير من زوار المحافظة على النزل أو الأكواخ الخشبية البسيطة في أحضان الغابات وبين الأشجار المعمرة ذات التصاميم الريفية، التي تجسد لدى العديد من السياح الانسجام الأمثل بين الطبيعة والإنسان، إذ روعي في تصاميمها وإنشائها على الخامات الطبيعية لتكون جزءاً من المشهد الفطري للمكان كما هو الحال في النزل القائمة في الوجهات السياحية بجبال الهدا والشفاء، فيما عمل الكثير من المستثمرين في تقديم خدمات متنوعة وقيمة للنزلاء، بتطبيق كامل للهوية البصرية بدمج العديد من النزل الريفية مع المزارع، وتشكيل حدائق أمامية جميلة، مزينة بالورد الطائفي والعديد من الشجيرات والنباتات البرية مثل الريحان والبعيثران والبردقوش وغيرها، مما جعلها مقصداً سياحياً من نوع آخر. ويقصد بعض السياح أو الزوار الاستمتاع بالنزل الريفية ذات التصاميم الحجرية القديمة، التي يشم فيها الزائر عبق الماضي مع إطلالات طبيعية على جبال وأودية الطائف، مزودة بنقوش ومنحوتات حجرية أو خشبية تصور الحيوانات والطيور في محاكاه للماضي، وسدود زراعية مصغرة وجداول مياه تعمل في تزويد المزارع المحيطة بالأكواخ الريفية بمياه الري وسقيا الزرع، كما يتفنن العاملين في هذه النزل الريفية في زراعة وإنتاج أنواع الفواكه الموسمية بما يزيد من عمق هوية المكان أمام الزائر. وتزين أشجار العرعر والنباتات العطرية قمم جبال محافظة الطائف الشاهقة في ارتفاع يصل إلى 2800 متر فوق سطح البحر، مشكلةً أجمل المناظر السياحية في المملكة، عندما تعانق هذه القمم بشموخها السحاب والضباب، ليقصدها العديد من السياح للهدوء والاسترخاء، وسط انخفاض درجات الحرارة وارتفاع نسب هطول المطار. ويحظى سياح المحافظة بزيارة مركزي الهدا والشفا السياحية، وخوض تجربة المغامرة بين الغابات التي تحيطها أشجار العرعر بكثافة، حيث يحتضن مركز الشفاء أشهر المواقع السياحية كقرية قاوة، وقرية آل حجار، وقرية آل جودة، وقرية المرابيع، التي يقصدها السياح لما تمتاز به من مواقع بديعة تحيطها الجبال والمزارع التي يتفنن أهلها في إنتاج شتى أنواع الفواكة الموسمية، والصناعات اليدوية التقليدية، وهي مقصد للعائلات والشباب. في وقت حقق حقق مهرجان (طائف الورد) نجاحًا مميزًا منذ إطلاقه، لما احتواه من برامج وفعاليات شملت العديد من الأركان والأجنحة والمعارض المهتمة في الورد الطائفي ومشتقاته، حيث سجل موسم طائف الورد أرقامًا قياسية في أعداد زواره خلال مدة إقامته في الأسبوع الأول، حيث وصل عدد الزوار لسقف المليون زائر. ويستمتع الزوار بمشاهدة المَسِيرات والعروض الحية للفنون الشعبية التراثية التاريخية التي تمتاز بها المحافظة، و كذلك أماكن بيع الورد الطائفي بكافة أنواعه، وسجاد الورد الجاذبة. نافذة على التاريخ وفي تبوك تقف قلعة تبوك شامخة كأحد أهم المعالم والشواهد التاريخية بالمنطقة؛ إذ تعد القلعة الأثرية إحدى محطات طريق الحج الشامي الذي يربط بين الشام والمدينةالمنورة، حيث يتكون من قلاع ومحطات تبدأ من حدود المملكة الأردنية حتى المدينةالمنورة، ويعود تاريخ بنائها إلى عام 976ه، ثم أُعيد ترميمها في عام 1064ه، وفي عام 1259ه أعيد ترميمها وتجديدها بالكامل مرة أخرى، وقد وُضِع بمحراب المسجد نقش خاص بهذه الذكرى، ثم جُدِّدت القلعة في عام 1370ه، وأُجرِيَت عليها ترميمات شاملة عام 1413ه من قِبل وكالة الآثار والمتاحف بوزارة المعارف سابقاً. وتحتوي القلعة على دورين، أحدهما أرضي بفناء مكشوف، وعدد من الحُجرات ومسجد وبئر، ودور علوي مربوط بسلالم تؤدي إليه، وكذلك مسجد صيفي مكشوف وحجرات، إضافةً إلى سلالم أخرى تؤدي إلى الأبراج التي تُستخدَم للحراسة والمراقبة، كما توجد خلف القلعة البرك السلطانية التي تتميز بدقة بنائها، حيث تتكون من بركتين، إحداهما مربعة والأخرى مستطيلة البناء. يذكر أن منطقة تبوك تكتنز آثاراً ومعالم وحصوناً وقلاعاً وقصوراً تقف شاهدة على عمق الحقب التاريخية والحضارات التي نشأت في هذه المنطقة وتعاقبت عليها، ما جعلها تمتلك إرثاً يمتد لآلاف السنين، وما يميزها من موقع جغرافي وممر لطرق التجارة، وحلقة ربط بين الشمال والجنوب والمشرق والمغرب عبر مختلف الحقب التاريخية. مشي بين السحاب وتتميز منطقة عسير بالعديد من التجارب السياحية الممتعة، حيث تجمع الكثير من المقومات الطبيعية التي تمنح المنطقة زخماً خاصاً، ولعل ممشى الضباب على قمم جبال أبها واحد من أجمل عجائب الطبيعة في المملكة والمنطقة العربية بأكملها، حيث يمنح الزوار شعوراً بالتحليق بين السحاب والضباب. ويقع الممشى في حي الضباب، الذي يطل على جبال تهامة، حيث يمكن للعائلات والأصدقاء الاستمتاع بتجربة ساحرة لا تنسى، حيث يوفر الممشى مناظر جبلية رائعة؛ فهو ممر معلق يبلغ عرضه 14 متراً ويمتد لمسافة سبعة كيلومترات، ويضم مناطق للجلوس وملاعب للأطفال، كما تتميز منطقة الممشى بالعديد من المرافق والخدمات والمطاعم والمساحات الخضراء وملاعب الأطفال. وإضافة إلى جمال المنطقة، هناك العديد من الشلالات التي تجد شعبية واسعة بين الزوار، حيث تضفي مزيداً من السحر في المساء، يضاف إلى ما تتمتع به منطقة عسير من سحر وخصوصية وثراء سياحي لا يضاهى. وتعد عسير إحدى أبرز الوجهات السياحية، ليس في المملكة فحسب، بل في المنطقة العربية بأكملها، حيث تشهد هذه الأيام حركة سياحية نشطة من داخل المملكة وخارجها، تزامناً مع فصل الصيف، الذي تتمتع فيه عسير والعديد من مناطق ومدن المملكة بأجواء فريدة، يستمتع خلالها السياح والزوار من المملكة ودول الخليج ودول المنطقة بالأجواء الباردة والممطرة في المرتفعات، وكذلك بالأنشطة والمغامرات الجبلية والبحرية، والتعرف على العمق التاريخي والتنوع الثقافي بالمملكة، مع مشاركة فاعلة من القطاع السياحي الخاص.