يدخل العراق في احتمالات قلقة تنذر بنهايات مفتوحة على مصراعيها، بعد دفع رئيس التيار الصدري، مقتدى الصدر، باستقالة أعضاء كتلته النيابية الأكبر في مجلس النواب العراقي، والنأي بعيدا عن المنافسة في أزمة تشكيل الحكومة الجديدة، فضلا عن إعلان جعفر الصدر، مرشح زعيم التيار الصدري لمنصب رئيس الوزراء في العراق، رسميا أمس (الاثنين)، انسحابه من السباق في أعقاب موافقة رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي على الاستقالات الجماعية لنواب التيار الصدري. وجاءت خطوة انسحاب الصدر من مشهد الأزمة على خلفية انسداد سياسي متصاعد مع خصومه في قوى ما يعرف ب"الإطار التنسيقي" الموالي لإيران، على خلفية إصرار الأخير على الدخول في عملية تشكيل الحكومة كطرف رئيس. ومنذ إعلان نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة، كان الصدر قد أعلن عن برنامجه الحكومي في حال وصوله إلى رأس السلطة وصفه حينها "لا شرقية ولاغربية" في إشارة إلى إخراج البلاد من الاصطفافات الإقليمية والدولية، بينما ارتكزت قوى "الإطار التنسيقي"، على زعزعة الشارع العراقي عبر التهديد بورقة السلم الأهلي والدفع بمليشياتها المسلحة لتطويع إرادة الصدر الرامية إلى تدشين "حكومة أغلبية وطنية". وظهر ذلك الخلاف بشكل علني في أكثر من مرة وانعكست وتيرة ذلك الصراع بتأزم المشهد العام ونذر وقوع الحرب الأهلية إلا أنها دائما ما كانت تنطفئ النيران في اللحظات الأخيرة. وقدم الصدر مبادرات كثيرة للمعسكر الخصم بتشكيل الحكومة وفق مدد معينة إلا أن الأخير أخفق في التقاط الفرصة. كما أعطى الضوء الأخضر للقوى المستقلة الذهاب نحو ذلك المسار، ولكن انتهت بالفشل والإخفاق أيضاً، ما دفعه لتوجيه نوابه ال73 بتحضير استقالتهم ووضعها تحت اليد بانتظار القرار الحاسم قبل أن يقدمها ممثل الكتلة، حسن العذاري، إلى رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي الذي جاء توقيعه بالموافقة على "مضض"، كما وصف ذلك في تغريدة على صفحته الشخصية. ويرى مراقبون أنه بانسحاب الصدر ونوابه واضمحلال المشروع الوطني، سيكون العراق أمام مشهد أكثر ضبابية وأكبر تعقيداً، خصوصاً أن الشارع العراقي بات لا يتحمل كثيراً عودة النسخ السياسية المكررة التي حكمت البلاد وفق إطار التوافق والمحاصصة، مؤكدين أن الصدر أعطى خصومه في الإطار التنسيقي تفاحة مسمومة ووضعهم أمام خيارات مرة وقاسية، فالتيار الصدري هو الطرف الشيعي الوحيد القادر على ضبط الشارع وفرض عمليات الإصلاح بما فيها حصر السلاح المنفلت وتقنين دور القوى المسلحة غير الشرعية، وبالتالي فإن ابتعاده ستكون له تداعيات وخيمة وكبيرة لن يرتضيها الشارع العراقي الذي قدم آلاف الضحايا من أجل إحداث حالة من التغيير، فيما قال رئيس تحالف السيادة، خميس الخنجر، تعليقا على استقالة نواب الكتلة الصدرية وفقا للعين الإخبارية: "إن معالجة خطايا النظام السياسي في العراق ضرورة وطنية نتفق عليها مع كل من يؤمن بالوطن، وسنواصل حواراتنا من أجل هذا الهدف". وبعد نحو ساعة من توقيع رئيس البرلمان العراقي على طلبات الاستقالة للنواب، أصدر رئيس التيار الصدري توجيهاً آخر يتضمن غلق جميع المكاتب السياسية التابعة له وحصرها بالمؤسسات الدينية فقط، بينما أطلق أنصار الصدر فور توقيع استقالة نوابهم وسما على مواقع التواصل الاجتماعي بأنهم جاهزون للنزول والتظاهر". وينص قانون الانتخابات العراقي على أنه عند استقالة نائب، يتولّى منصب النائب المستقيل صاحب ثاني أكبر عدد من الأصوات في دائرته، فيما قال رئيس البرلمان الحلبوسي: "الخطوات القادمة قد تمضي سريعا. نسعى إلى تشكيل حكومة تتحمّل القوى السياسية مسؤولية مخرجاتها وإدارتها، وسيبقى التقييم أمام الشعب".