دعا مختصون إلى الحذر من المخاطر الجسيمة التي يسببها العنف الأسري على وحدة الأسرة والمجتمع, مبينين أن العديد من حالات العنف الأسري كانت سبباً في تفكك الأسرة ونشوب الخلاف بين الزوجين أو انفصالهما, وعدت جرمًا يخالف الشرع القويم, والسلوكيات والقيم الحميدة التي حثّ عليها ديننا الإسلامي ، حيث تعاني معظم المجتمعات من تفشي ظاهرة العنف الأسري التي تهدّد كيان الأسرة وتركيبها، ويفكك لحمتها لكن الشريعة الإسلامية حثت المسلم على التحلّي بالأخلاق الحميدة والرحمة, اقتداءً بالمصطفى صلى الله علية وسلم الذي قال: " ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ولم يعرف حق كبيرنا"، لافتين في الوقت نفسه إلى أن العنف الأسري ينقسم إلى قسمين: العنف اللفظي.. كالشتم وما أشبه ذلك, والقسم الثاني العنف البدني.. ويشمل التحرش البدني, والضرب, وان النفس السوية لا تمارس العنف لأن الإنسان السويّ خلقياً, والقوي فكرياً لا يحتاج إلى العنف بل الحجة والبرهان. وتبرز في وسائل التواصل الاجتماعي العديد من حالات العنف في تصرفات مختلفة يقتصر بعضها على إطلاق كلمات نابية جارحة تجاه طفل أو زوجة, بينما تتخطى بعض الحالات الخطوط الحمراء لتصل إلى التعدّي بالضرب والإيذاء الجسدي الذي قد تعالج أضراره الجسدية في أيام معدودة, لكن أعراضها النفسية والمعنوية تبقى مصاحبة للمعنّف طوال حياته, فأٌقرّت الجهات المعنية في المملكة العربية السعودية العديد من التشريعات والتنظيمات, وأوجدت اللجان المعنية لمتابعة حالات العنف الأسري وتوعية المجتمع بأخطارها. الاخصائية الاجتماعية دعاء زهران قالت: التطور الاجتماعي وتوسع ىفاق المعرفة والثقافات غير مفهوم التربية والمعتقدات عند بعض الأسر، مما أدى ذلك لوجود شرائح مُختلفة للفكر والنمطية والمنهجية داخل مجتمع واحد وهذا ما يصعب أسلوب التربية التقليدي فأصبح البعض ينفر من أبسط اساليب التوجيه والتربية القوية والصارمة ، ضغوطات الحياة المختلفة كالمالية والاجتماعية والأسرية وغيرها الكثير و العجلة السريعة التي نواجها في التكنولوجيا والتطور جعل أسلوب الحياة يميل الى العنف في بعض القرارات ، وفي إحصائية لمركز بلاغات العنف الأسري أكدت بأن هذه الفترة ازدادت نسب البلاغات بطريقة مرتفعة. ومن وجهة نظري الاجتماعية والنفسية أن ما نعانيه وتِعانيه كثير من الأسر الآن من خلال التعليم عن بعد وحضور الطلبة عبر المنصات أكبر مسبب للعنف الأسري سواءً من الوالدين على الأبناء أو الازواج على بعضهم البعض، فكيف يعقل لمعلمة لديها أُسرة (زوج وأبناء) وتتركهم في أهم وقت وهو وقت عودة الزوج من العمل وعودة الأبناء ووقت الراحة والقيلولة والغذاء فإن تحمل الزوج شهر لن يتحمل الآخر وأن تحمل الأبناء تغيب الأم (المعلمة) ليوم فيكف سينتهي بهم المطاف؟. مسببات كارثية يواجهها معظم أسر مجتمعنا ، العنف لا يأتي من فراغ فلنتحلي بالصبر والتكاتف والتغافل والمعاونة لنبني أُسرة نموذجية مترابطة مُحبة لبعضها البعض. تحقيق العدل ومن جانبه ذكر وكيل الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام سابقاً أحمد بن محمد المنصوري : فقد امتازت الشريعة الإسلامية بأنها تحقق العدل واليسر والسماحة والأمن، وتراعي مصالح البشرية، وتدعو إلى الرفق، والرحمة، والإحسان بكل شيء. وقد أولى الإسلام الأسرة عناية فائقة لما لها من أثر عميق في تكوين شخصية الفرد. فهي أول مؤسسة تتلقى الطفل بعد ولادته وتتعهد بتربيته ورعايته، وتلبية احتياجاته المختلفة، وعن طريقها يكتسب لغته وعاداته واتجاهاته وقيمه ومعتقداته، كما أن الأسرة هي الرافد الأول المسؤول عن إمداد الأمة بالفرد الصالح والجيل السليم، ولهذا فإنه من الأهمية بمكان توفير كافة الظروف المناسبة للأسرة لتمكينها من القيام بمسؤولياتها وواجباتها من أجل تحقيق النمو والازدهار والتقدم في كافة ميادين الحياة. ومعنى العنف الأسري شرعاً: ممارسة القوة أو الإكراه بطريقة متعمدة غير شرعية من قبل فرد أو أكثر من أفراد الأسرة ضد فرد أو أكثر من الأسرة ذاتها، ويكون المجني عليه واقعاً تحت سيطرة الجاني وتأثيره مما يلحق به الهلاك، أو الضرر والأذى. والمراد بالأسرة الزوج، والزوجة، والأولاد ويتبع ذلك الأخوات، والأخوة، والأجداد ممن يعولهم رب الأسرة، والغالب أن العنف الأسري يقع من الزوج على زوجته، ومن الأب على أولاده وأخواته وإخوانه، وقد يكون بالعكس من الزوجة على زوجها، ومن الأولاد على والديهم وهذا من أكبر العقوق، وأعظم الذنوب والعياذ بالله. أشكال متعددة من جانبها اوضحت الاخصائية النفسية أميرة باوريز بقولها: العنف الأسري له أشكال متعددة فقد يكون عنفا جسديا بالضرب وما شابه وقد يكون العنف لفظيا كالنداء بالأسماء البشعة أو النقد الجارح أو التقليل من شأن الفرد ومقارنته بمن هم أفضل منه وقد يكون العنف نفسيا وذلك إما بالهجر والإهمال أو بالدلال الزائد الذي يفقد الفرد ثقته بنفسه ويجعله يعتمد على الاخرين. ولفت إلى أن العنف له أسباب كثيرة منها الواضح ومنها غير الواضح من الأسباب الواضحة الجهل فقد تكون الأسرة النووية (وهي الأسرة المكونة من الأم والأب والأطفال) غير متعلمة فتعتقد أن تربية الأبناء بالضرب هي أجدى وسائل التربية ويعتقدون أن التعليم شيء استثنائي وغير مهم لذلك لا يتركون المجال لأبنائهم كي يأخذوا حقهم في التعليم، وقد تكون المحاكاة أحد أسباب العنف الأسري فيرى الابن ما يكون من تعنيف رب الأسرة للأم أمام أبنائهم ويعتقد أن هذه هي المعاملة الصحيحة والمثمرة بين الزوجين ، وقد يكون للعنف أسباب صحية كإصابة أحد أفراد الأسرة بمرض نفسي مثل الانفصام أو ثنائي القطب وغيرها من الأمراض التي يصعب على المجتمع المحيط تشخيصها وقد ينشأ العنف بسبب إدمان المخدرات. وفيما يتعلق بكيفية علاج التداعيات النفسية للعنف الاسري قالت: وقد يكون بسبب ضعف شخصية المعتدى عليه يمكن علاج العنف الأسري على حسب تشخيص الحالة والنظر لنوع العنف وأسبابه الظاهرة والجلوس مع المعنفين والمتعرضين للعنف ولعل من أهم النقاط التي تعالج العنف بشكل كبير وواضح العلم والتعليم، لأن أبرز أسباب العنف قلة الوازع الديني والجهل وضعف الشخصية لذلك لابد من إشغال المعتدي بالتعليم لتوعيته بالأمور وتقوية شخصيته. إجراءات الحماية المحامية ساره الابادي قالت إن المملكة العربية السعودية وضعت عدة أنظمة واجراءات للحماية من الايذاء والعنف للحد من ظاهرة العنف الاسري ، كما أفردت نظاماً كاملاً لحماية الطفل من جميع انواع الاستغلال وهذه الانظمة قصد بها ردع وزجر من تسول له نفسه ارتكاب أي من الأفعال التي جرمتها الأنظمة فذكر نظام الحماية من الايذاء في مادته الأولى بأن الإيذاء هو كل شكل من أشكال الاستغلال، أو إساءة المعاملة الجسدية أو النفسية أو الجنسية، أو التهديد به، يرتكبه شخص تجاه آخر، متجاوزاً حدود ما له من ولاية عليه أو سلطة أو مسؤولية، ومن ذلك امتناعه أو تقصيره بالوفاء بواجباته في توفير الحاجات الأساسية لأحد أفراد أسرته. وكما ان ما للعنف الاسري من خطورة واثر في انشاء اجيال غير سوية فقد حرص المنظم على إصدار نظام حماية الطفلش ونص في مادته الخامسة عشر فقرة 2 ، بأن تتخذ الجهات ذات العلاقة التدابير اللازمة لضمان التزام والدي الطفل أو من يقوم على رعايته بتحمل مسؤولياتهما تجاهه، وحفظ حقوقه، وحمايته من الإيذاء والإهمال. وفي حال عدم توفر بيئة عائلية مناسبة له فقد نصت المادة السابعة من ذات النظام على أن له الحق في الرعاية البديلة من خلال عدة أمور منها: الأسرة الحاضنة التي تتولى كفالته ورعايته، مؤسسات الرعاية الاجتماعية الحكومية أو الأهلية أو الخيرية، إذا لم تتوافر أسرة حاضنة. خلل عضوي الشيخ أحمد حموده المستشار الأسري والمرشد الديني بالحرس الوطني ان العنف الأسري انحراف عن الفطرة والسلوك الإنساني السوي وما جبل الله عليه الناس من التعايش وتبادل المنافع فيما بينهم. مشيرا إلى أن هذه القسوة التي تنشأ داخل الأسرة نابعة عن خلل إما عضوي أو تربوي أو اقتصادي أو اجتماعي أو نفسي ويجمع ذلك الخلل في البعد الديني. مؤكدا أن الدين ينظم حياة الإنسان وعلاقته مع المتغيرات التي تحيط به. وتابع: بقدر التصاق الإنسان بالقيم السماوية وبما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم بقدر مايكون سويا في سلوكه منضبطا في ردود أفعاله رحيما بأهله وهذا رسولنا الكريم يقول "خيركم .. خيركم لأهله ""مؤكدا أن الرفق ما كان في شيء إلا زانه ومانزع من شيء إلا شانه وأن الله أمر بالرفق والعفو والتسامح والرحمة فلا عذر لأحد أن يخرج عن هذه القيم. أنشطة الحماية بدورها أشارت ليلى القحطاني مشرفة برامج وأنشطة بوحدة الحماية الاجتماعية بأبها إلى أن العنف الأسري ينقسم إلى عدة أقسام: العنف الجسدي الضرب ، الحرق ، الأيذاء الجسدي أما العنف العنف النفسي فيتمثل في المنع /الإقصاء ، التنمر وبالنسبة للعنف اللفظي فتندرج تحته الشتائم وغيرها. ليلى القحطاني العنف بالإهمال (بعدم إعطاء الطفل والمرأة حقوقهماواحتياجاتهما الجسدية والمادية والتعليم والرعاية الصحية والحقوق المدنية). مؤكدة أن الحالة الاقتصادية المتدنية هي بيئة تفرز العنف بكافة أشكاله وفي هذه الحالة لابد أن يتم مراعاة مستوى دخل العائل وعدم تكليفه فوق طاقته. مستدركة أن للمرأة وللطفل بحسب لائحة الحماية من الإيذاء حق توفير متطلباتهما واحتياجاتهما الضرورية، كما ترى أيضا أن الإهمال يعد أحد أشكال العنف. وحول علاج التداعيات النفسية للعنف اكدت انه عن طريق أخصائي نفسي يقوم بعمل خطة علاجية تساعد المعنف لاستعادة توازنه والعودة للأسرة بوضع نفسي أفضل. وفيما يخص الوحدات فهي تقوم بعمل برامج وقائية وعلاجية وتثقيفية لكافة أفراد المجتمع للتعريف بخطورة العنف الأسري على البناء الإنساني والنمو الاقتصادي وتبديد الطاقات البشرية وذلك بعمل حملات تثقفيفية وملتقيات وورش عمل وعمل شراكات مجتمعية مع كافة مؤسسات الدولة لعمل خطط تكاملية لوقف العنف الأسري. وحول الأسباب التي تؤدي إلى العنف ذكرت أبرزها مستوى التعليم المتدني. والمستوى المادي المتدني وعدم اعطاء الأساسيات حقها وكذلك السلوكيات المندفعة من المرأة والمخدرات وبيئة التعاطي والأمراض النفسية والعقلية. فضلا عن التخبيب والتدخلات من خارج أفراد الأسرة والفجوات في التفكير وعدم تفهم الاحتياجات والمتطلبات لكافة أطراف الأسرة. أخطر المهددات على تماسك الأسرة أكدت لجنة المرأة بمجلس شؤون الأسرة ل"البلاد" أن العنف الأسري من أخطر المهددات على وحدة الأسرة، كون الآثار الناجمة من العنف لها أبعاد نفسية وصحية واجتماعية واقتصادية ينعكس تأثيرها على كافة أفراد الأسرة، إذ تصل الأضرار النفسية للعنف الأسري على الأطفال فتجعلهم يعيشون في انطوائية ورفض الذهاب إلى المدرسة، وعلى صعيد الأسرة يؤدي العنف الى إدمان المخدرات والمشاكل النفسية كالاكتئاب والتفكير في الانتحار وانعدام الشعور بالأمان، أما الأضرار الصحية فقد ينتج عن العنف إصابات جسيمة تؤثر على الضحية مدى الحياة وكذلك تؤثر في الصحة النفسية والعقلية لدى أفراد الأسرة، كما تنعكس اضرار العنف على العلاقات الاجتماعية اذ يؤدي إلى الانعزال وعدم الرغبة في التواصل مع الآخرين وفقدان الثقة والشعور بالحقد تجاه المجتمع كما يؤدي الى إهمال رعاية الأبناء إن كانت الأم ضحية العنف حيث تفقد القدرة على رعاية وتربية ابنائها. كما أوضحت أن للعنف آثاراً اقتصادية كون تلقي بلاغات العنف والتجاوب معها ذا تكلفة عالية على الجهات المعنية كما انه يكلف الأسرة اقتصادياً بسبب تكاليف علاج الإصابات الناتجة عن العنف وتكاليف الاستشارة النفسية، بالإضافة إلى أن العنف قد يتسبب في عدم قدرة المرأة على أداء عملها وكثرة التغيب عن العمل وبالتالي يترتب على ذلك الخصم من الراتب أو حتى الفصل من العمل. وأشارت اللجنة أن مجلس شؤون الأسرة في المملكة يسعى عبر لجنة المرأة إلى توعية المجتمع حول أخطار العنف على الأسرة والمجتمع، اذ يطلق المجلس حملة توعوية بأضرار العنف بالتزامن مع انطلاق الحملة العالمية لوقف العنف ضد المرأة بعنوان "لون العالم برتقالياً" وذلك بتاريخ 25نوفمبر ولمدة 16 يوماً. الدكتورة عبير خياط أستاذ مساعد قسم علم النفس كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة الملك عبدالعزيز أكدت أن العنف الأسري ظاهرة اجتماعية أثرها سيء على كافة المجتمعات، فهي تؤثر في الأسرة التي تعد نواة المجتمع الأولى وبسببها تتفشى ظواهر سلبية أخرى في المجتمعات. وترى أن الأب هو مصدر للحماية والاطمئنان فحين يصبح مصدر الخوف والإيذاء على باقي أفراد اسرته نفسيا وجسديا وبالاهمال والغياب عن المنزل كل ذلك سيؤثر على ترابط الأسرة ويلقي بظلال قاتمة عليها، الأمر الذي يساعد على انتشار السلوك العدواني الإجرامي في المجتمعات. كما لفتت إلى أن مسؤولية الإصلاح والتوعية والإرشاد عبر المناهج الدراسية والندوات العلمية مهمة لتسلط الضوء على الآثار السلبية من هذا السلوك المرضي وغير السوي. كما أوضحت اهمية دور الإعلام وتكنولوجيا الاتصالات بمختلف وسائلها وقنواتها المنوعة في حماية الأسرة والمجتمع من تأثير العنف الأسري.