يجسد مشهد مطار كابل الذي غرق أمس (الاثنين)، بالأجساد الهاربة من المجهول وجحيم التغيير، أدق تفاصيل مخاطر فقدان الأمن، وعدم الاستقرار، مثلما يعكس هواجس الخشية على الحياة، فحال وهيئة ومنظر المطار الذي غاص بالمحتشدين المتأهبين للخروج بأي شكل من الأشكال تؤكد الأهمية القصوى لاستقرار الأمن على اعتباره رأس الحربة ضمن جملة من متطلبات الحياة أيا كانت أهميتها. ولعل المتابع لأحداث المطار قد أدرك بما لا يدع مجالا للشك حجم المخاوف التي أدت للتسلق الجماعي على أجنحة وعجلات الطائرات المتأهبة للإقلاع، وسقوط الأجساد من على آلاف الأمتار في ظاهرة تعزز المفاهيم الحقيقية لجسامة الإخلال بالأمن المؤدي للفوضى القاتلة، بغض النظر عن الأسباب والعواقب، فالمشهد يسوق العبر لكافة شعوب الأرض ليؤكد من جديد أهمية صيانة المكتسبات الأمنية وتحاشي مخاطر أهداف مصدري الفوضى والمخططين والممكنين لتمزيق استقرار الشعوب، وغرس الفرقة، ومسهلي تفشي الهرج والمرج. المشهد الأفغاني بات يعج بالفوضى عقب استيلاء طالبان على العاصمة الأفغانية، حيث أُلغيت الرحلات التجارية في المطار كابل، وتجمع آلاف الأفغان سعياً للهروب من بلدهم، وفق ما أعلنت سلطات المطار. وقالت السلطات في رسالة: "لن تكون هناك رحلات تجارية انطلاقاً من مطار حامد كرزاي، لمنع النهب. رجاءً لا تهرعوا إلى المطار"، خصوصا قتل ما لا يقل عن خمسة أشخاص وأصيب مايزيد عن 13 آخرين في مطار كابل، أثناء محاولة المئات ركوب طائرات عنوة لمغادرة العاصمة، فيما سقط 3 شباب من عجلات طائرة بعد إقلاعها. وأفاد شهود عيان بأنهم رأوا جثثا ملطخة بالدماء ملقاة على الأرض خارج مبنى الركاب، وفقاً لصحيفة "وول ستريت جورنال"، مع تأكيدهم على سماع إطلاق نار بالمطار. في غضون ذلك، أكدت وزارة الخارجية، أن المملكة العربية السعودية تتابع باهتمام الأحداث الجارية في أفغانستان الشقيقة، وتعرب عن أملها في استقرار الأوضاع فيها بأسرع وقت. وقالت: "انطلاقاً من المبادئ الإسلامية السمحة، وعملاً بقول المولى سبحانه وتعالى (إنما المؤمنون إخوة)، فإن حكومة المملكة العربية السعودية تأمل أن تعمل حركة طالبان وكافة الأطراف الأفغانية على حفظ الأمن والاستقرار والأرواح والممتلكات، وتؤكد في الوقت ذاته وقوفها إلى جانب الشعب الأفغاني الشقيق وخياراته التي يقررها بنفسه دون تدخل من أحد". وفر آلاف الأفغان من العاصمة خوفاً بطش طالبان – وفق قولهم -، مؤكدين أن حالة الفوضى لا تبشر بخير قادم، إنما ستغرق البلاد في الأزمات، ما دفعهم – أفراداً وجماعات – من كافة الأعمار، يسرعون إلى مطار "حامد كرزاي الدولي" بكابل، للفرار منه إلى أي مكان، قبل أن تسيطر طالبان على كل العاصمة وسكانها الأكثر من 6 ملايين. وأكثر ما ساهم بنشر حالة من إسوداد النظرة المرفقة باليأس على ما طرأ فجأة على البلاد، هي ذكريات في بال الكثيرين من الأفغان عن وحشية نظام طالبان المتطرف، والرعب من معرفة أنهم حكموا البلاد 20 سنة بالحديد والنار، ثم عادوا إلى السلطة بتطرف أكثر من السابق على ما يبدو، إلى درجة لم يتركوا معها للأفغان أي خيار سوى الإسراع إلى المطار لركوب طائرة والهروب كيفما كان وإلى أي مكان، فيما أغلقت العشرات من متاجر السجاد والأشغال اليدوية والمجوهرات أبوابها، وكذلك المقاهي الصغيرة، إذ أكد أصحاب المحلات إنهم في حالة صدمة شديدة ويخشون على محلاتهم من الفوضى. وما يزيد المشهد تعقيدا وينبئ بمواجهات جديدة داخل العاصمة، هو تعهد وزير الدفاع الأفغاني على لسان القائم بأعماله الجنرال بسم الله محمدي، بمواصلة القتال ضد طالبان، رافضا الحوار مع من تلطخت أيديهم بدماء مئات الآلاف من الأفغان – حسب قوله -، منتقدا مغادرة الرئيس أشرف غني وعدد من المسؤولين البلاد. إلى ذلك، حذرت الخارجية الروسية، من تنظيمات إرهابية قد تستغل الفراغ في أفغانستان وتشكل خطرا على حلفاء موسكو، مشيرة إلى أن طالبان لا تمثل تهديداً لآسيا الوسطى، وأن موسكو لن تستعجل الاعتراف أو عدمه بالسلطة الجديدة، وأن الأمر يعتمد على سلوكياتهم. وقالت "لا يمكن الحديث حالياً عن استبعاد طالبان من قائمة المنظمات الإرهابية وهذا الإجراء يجب أن يبدأ من قبل مجلس الأمن الدولي"، منتقدة عدم صدور أي بيان أميركي بشأن الانتهاكات في أفغانستان. كما حذرت الولاياتالمتحدةالأمريكية من ظهور تنظيمات إرهابية في ظل سيطرة طالبان على كابل، بينما يعقد وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي اليوم اجتماعاً عبر الفيديو لمناقشة الوضع في أفغانستان، حيث تسرّع الدول الغربية عمليات الإجلاء، وفق ما أعلن وزير خارجية التكتل جوزيب بوريل. وفي جلسة لمجلس الأمن أمس حول تطورات الأوضاع في أفغانستان، دعا مندوب أفغانستان لدى الأممالمتحدة، غلام إيزاكزاي، لعدم الاعتراف بسلطة حركة طالبان، مؤكدا أن بلاده تواجه مصيرا مجهولا، مبديا خشيته من حرب أهلية، مطالبا بتشكيل حكومة انتقالية من أجل السلام، فيما دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، المجتمع الدولي إلى الاتحاد لحل الوضع في أفغانستان، والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية، مطالباً طالبان باحترام حقوق الإنسان والدبلوماسيين والمواقع الدبلوماسية، كما شدد على الاستمرار في دعم شعب أفغانستان، وضمان عدم تحول أفغانستان مجددا كملاذ آمن للمنظمات الإرهابية. وشدد مناديب الدول لدى الأممالمتحدة على أهمية الوقف الفوري لإطلاق النار في أفغانستان، ومحاسبة المتسببين في العنف والفوضى.