للعام الثاني على التوالي يأتي موسم الحج والعالم ما يزال يئنُّ تحت وطأة جائحة فيروس (كورونا) الذي كان سببًا في موت ملايين من البشر، وظهرت منه سلالات متحوِّرة ما زالت تثير الذعر في جميع الأوساط الطبية والصحية على مستوى العالم، بل ما تزال بعض الدول تلجأ لفرض حظر التجول على مواطنيها سواء أكان كليًّا أو جزئيًّا؛ وذلك خوفًا من انتشار الجائحة وتفشيها، وتفاقم الأوضاع الصحية والاقتصادية على نطاقٍ واسع يخرج عن السيطرة!! ومع اقتراب موسم حج هذا العام ثارت نفس المخاوف والتساؤلات مرة أخرى: فهل تُجازف المملكة وتُقيم الحج هذا العام على نطاقٍ واسع كما كان عليه الوضع قبل كورونا؟! أم تكتفي بإقامة موسم الحج على نطاقٍ ضيق ومحدود حمايةً للبلاد والعباد من خطر انتشار هذا المرض؟!! الجديد هذا العام هو أن بعض الدول الإسلامية – مثل: إندونيسيا وماليزيا – قد بادرت هي من تلقاء نفسها بالإعلان عن عدم السماح لمواطنيها بالذهاب لموسم الحج لمحاربة تفشي وباء كورونا الذي ما يزال خطرًا. ولا يخفى على أحد خطورة تفشي العدوى في التجمعات والحشود البشرية، فتجمع عدة ملايين من البشر في مكانٍ واحد، وهم جاءوا من مختلف أنحاء العالم، وكل مجموعة منهم تحمل بالقطع من بيئتها بعض العوامل البيولوجية التي قد تؤدي إن تجمعت في مكانٍ واحد ومساحة ضيقة إلى ظهور أمراض معينة، أو ظهور سلالات جديدة من فيروس كورونا، وعندما يرجع هؤلاء لبلدانهم ينشرون هذه السلالات فيها – لا قدَّر الله -!! من هنا وتقديمًا لمقصد (حفظ النفس البشرية) وهو من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية فقد اتخذت قيادتنا الحكيمة – أيَّدها الله – قرارًا صائبًا بقصرِ إقامة شعائر الحج هذا العام على عدد محدود من حجاج الداخل من المواطنين والمقيمين من جميع الجنسيات الإسلامية، والاقتصار على 60 ألف حاج وحاجة. وبهذا القرار فسوف تُقام فريضة الحج هذا العام ولا تُعطل، وفي نفس الوقت نضمن بإذن الله تعالى تحقُّق سلامة الحجيج وضيوف الرحمن، والمحافظة على سلامة العالم من تفشي الجائحة، وسوف يتم اتباع إجراءات وتدابير صحية مشددة للحفاظ على سلامة الحجاج من قبل وصولهم إلى المشاعر المقدسة وحتى مغادرتهم إياها. وقد لقي قرار المملكة ترحيبًا عربيًّا وإسلاميًّا واسعًا، فقد أثنت عليه هيئة كبار العلماء في المملكة، وأشاد به فضيلة شيخ الأزهر، كما رحَّبت به منظمة التعاون الإسلامي، وأشاد به كذلك علماء المسلمين وكبار المسؤولين في دول العالم الإسلامي؛ لأنه يهدف إلى صيانة الأنفس وحمايتها من هذا المرض الذي أودى بحياة ملايين البشر. وها هي مملكتنا الغالية تُثبت للعالم وتؤكِّد له يومًا بعد يوم أنها مملكة الحق والعدل والرحمة التي تحرص على حماية أرواح البشر في كل مكان، وتحمل الخير كل الخير للناس جميعًا، وأنها النموذج الأكمل في تحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية، وتلبية مطالبها، وفي مقدمتها حفظ النفس الإنسانية التي كرمها الله تعالى، كما تؤكد حرصها البالغ على كل ما ينفع المسلمين ويخدم قضاياهم حول العالم. أكاديمي وكاتب رأي