يمثل الاستثمار حجر الزاوية في الاقتصاد الوطني والعالمي باعتباره الشريان الأهم لتنمية الموارد وتطور الاقتصاد المستدام. وامتدادا لما حققته المملكة من قفزات استثمارية لاقتصادها الأكبر إقليميا وأحد أكبر عشرين اقتصادا في العالم ، تسعى المملكة عبر الاستراتيجية الشاملة للاستثمار المنتظر إعلانها العام الحالي ، وما ستكون عليه الرياض كأحد أكبر العواصم الاقتصادية عالميا ، في قفزة نوعية لجذب التدفقات الاستثمارية الأجنبية المباشرة ، وما يرتبط بذلك من أهداف أساسية لتوطين التقنية والخبرات. وخلال العام الماضي 2020 استطاعت المملكة من خلال الإصلاحات الاقتصادية والأنظمة التشريعية المحفزة من رفع الاستثمارات الأجنبية بأكثر من 9 % ، رغم تحديات أزمة الجائحة العالمية. الأرقام عادة ما تختصر تفاصيل كثيرة ، لكنها في ذات الوقت تتحدث عن الخطط والخطوات وقبل ذلك (الأهداف والإرادة) ، ولكليهما مساحة شاسعة وآفاق واسعة في التجربة السعودية الحديثة التي استشرفتها المملكة بقيادتها الرشيدة ، حفظها الله ، عبر رؤية 2030 الطموحة لحاضر ومستقبل الوطن ، والأجيال من أبنائه وبناته في شراكة كاملة وسواءً بسواء في التنمية المستدامة. بلغة الأرقام ، تجاوز إجمالي الاستثمار الأجنبي في المملكة ، بكافة مصادره وبمعدل تراكمي للسنوات السابقة ، لأول مرة حاجز ال2 تريليون ريال بنهاية عام 2020، وذلك وفقا للبيانات الحديثة الصادرة عن البنك المركزي السعودي "ساما". مقارنة بنهاية عام 2019 حيث بلغت تراكميا آنذاك 1833.1 مليار ريال. وتتوزع الاستثمارات الأجنبية على الاستثمار الأجنبي المباشر والذي يمثل 45% من الإجمالي، ما يعادل 906.98 مليار ريال ، بالإضافة إلى استثمارات الحافظة والتي تتوزع على حقوق الملكية وأسهم صناديق الاستثمار وسندات الدين، البالغة قيمتها 585.68 مليار ريال، ثم استثمارات أخرى بقيمة 513.68 مليار ريال. وتتضمن الاستثمارات الأجنبية في المملكة الاستثمار المباشر داخل الاقتصاد، واستثمارات الحافظة – بما فيها حقوق الملكية وأسهم صناديق الاستثمار وسندات الدين – بالإضافة إلى الاستثمارات الأخرى؛ التي تضم القروض والعملة والودائع وحسابات أخرى مستحقة الدفع. الاستثمار ومكامن القوة لقد حافظ الاقتصاد السعودي على متانته وأثبت مرونته في مواجهة آثار الجائحة ، وبدأ بالانتعاش التدريجي خلال النصف الثاني ، في الوقت الذي شهد فيه معدلات نمو في التدفقات المالية الأجنبية ومنح رخص الاستثمارات، وبحسب تقرير الربع الرابع من 2020 لوزارة الاستثمار، تم إصدار 466 ترخيصا للمستثمرين الأجانب ، وهو المعدل الربعي الأعلى في سجل الاستثمار منذ بدء التسجيل في 2005 ، حيث صعد بنسبة 52% مقارنة بالربع الثالث من نفس العام 2020 ، وبزيادة 60 % عن الفترة ذاتها من عام 2019. وعلى ضوء هذه النتائج العملية يشير تقرير الوزارة إلى استمرار انتعاش الاستثمار الأجنبي المباشر ، خاصة مع بذل المملكة للإجراءات اللازمة لتعزيز الأنشطة الاستثمارية مع مراعاة الاجراءات الاحترازية اللازمة الخاصة بالأنشطة ، متوقعا عودة معدلات النمو في بيئة الاستثمار إلى الأوضاع ما قبل الجائحة.
المحفزات والموثوقية بالنسبة للقطاعات المستقبلة للاستثمارات الأجنبية في الربع الرابع من العام الماضي ، تأتي الصناعة والنقل والخدمات اللوجستية وخدمات البيع بالتجزئة، وتقنية المعلومات والاتصالات من بين الصناعات الرائدة التي جذبت الاستثمار الأجنبي المباشر حيث أظهرت القطاعات غير البترولية جذبا عاليا في الأشهر الماضية. أيضا نقطة مهمة سلط تقرير وزارة الاستثمار الضوء عليها ، وهي الإصلاحات والتطور التشريعي النوعي الذي عزز موثوقية ومحفزات الاستثمار الأجنبي بالمملكة ، ومنها مبادرة إصلاح العمل التي تضمن حماية الموظفين الأجانب وسهولة انتقالهم بين الجهات إضافة إلى لائحة الغرف التجارية الجديدة التي تسمح للمستثمرين الأجانب بالانضمام لأعضاء مجلس الإدارة في الغرف السعودية. خلاصة ذلك وما يحمله من مؤشرات إيجابية طموحة ، هو ما أشار إليه المهندس خالد الفالح وزير الاستثمار ، بأن هذه الأرقام الاستثمارية تعكس قدرة الاقتصاد السعودي ومرونته رغم التحديات التي يواجهها العالم، كما تقدم الأرقام ذاتها دليلا قويا على استمرار التقدم بعزم وتفاؤل خاصة مع إطلاق سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ، حفظه الله، العديد من المبادرات والبرامج الاستراتيجية الكبرى ، في مقدمتها استراتيجية صندوق الاستثمارات العامة وبرنامج استثمارات الشركات الكبرى ، وشراكة القطاع الخاص. هذه الخطوات القوية الداعمة للنمو الاقتصادي غير النفطي والاستدامة التنموية والتقدم في التنافسية العالمية ، تتوج ما يتحقق من ثمار التحول في كافة القطاعات ، ورفع كفاءة مساهمتها في الاقتصاد الوطني ، وخلق الوظائف وفرص العطاء والبناء أمام قدرات أبناء وبنات الوطن.