كل مشروع صغير يولد حلما ثم فكرة ، وبعدها الخطوة نحو ريادة الأعمال ، لكن بين الفكرة والخطوة الأولى تساؤلات متداخلة تحتاج إلى ترتيب الانطلاقة، وإلى إجابات عملية عنوانها "إعقلها وتوكل" ، و كما يقول أهل الاقتصاد "دراسة الجدوى" التي تحدد بحروفها وأرقامها عوامل النجاح في مشوار الألف ميل، لتكون التجربة والمثابرة خلالها خير معلم في استقرار ونمو المشروع، خاصة وأن رؤية 2030، أطلقت طاقة متجددة ووثابة لطموح الشباب والشابات السعوديين نحو ريادة الأعمال، بما توفر لهم من فضاءات رحبة لأفكارهم ورعاية مشاريعهم، ليشكلوا قطاعا واعدا ضمن استراتيجية وطنية واضحة الأهداف والمسار، ليكون جزءاً فاعلا في التنمية الشاملة والاقتصاد المستدام. حاليا يضم هذا القطاع الواعد أعدادا كبيرة من رواد ورائدات الأعمال ، ممن سطروا قصص نجاح متميزة في مجالات عديدة ، مدادها روح الإرادة ورافعتها برامج حكومية تتكامل فيها وزارات حاضنة لأفكارهم وهيئات وصناديق تنموية تمويلية والغرف التجارية ومؤسسات مرموقة بالقطاع الخاص. ووفق تقرير سابق للمرصد العالمي لريادة الأعمال، فإن ثلث الشباب السعوديين يعتزمون بدء عملٍ تجاري، وهي النسبة الأعلى على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ، وعبّروا عن ثقتهم العالية في الدعم وبقدرتهم على تأسيس مشروعٍ جديد. محفزات مغرية لتنمية ريادة الأعمال أطلقت المملكة مجموعة من المبادرات المحفزة والداعمة التي حوّلت مفهوم الاكتفاء بالروتين الوظيفي إلى ثقافة محفزة لريادة الأعمال عبر مشروعات صغيرة ومتوسطة، ما جعل القطاع جزءًا لا يتجزأ من الاقتصاد العام وتعزيز دورته وشرايينه غير النفطية المستدامة. وقد أسهمت الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة المتوسطة "منشآت" في تحسين المنظومة الريادية، من خلال حزمة مبادرات، أبرزها برنامج "بادر"، لدعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة ورواد الأعمال في الإبداع التقني ، وكذلك صدور أنظمة الامتياز التجاري والتجارة الإلكترونية. وخلال أزمة الجائحة وبحسب تقرير البنك المركزي السعودي (ساما) ، تجاوزت قيمة برنامج تأجيل الدفعات المستحقة للبنوك وشركات التمويل 50.3 مليار ريال ، ضمن مبادرات دعم القطاع الخاص التي أمر بها المقام السامي التي تجاوزت 214 مليار ريال ، وحصاد هذه الاستراتيجية ، أن قطاع ريادة الأعمال في المملكة يشهد نمو متسارعا ، ليس فقط في المشاريع التقليدية ، إنما يوجه أيضا بوصلته وبصورة لافته نحو مشاريع المستقبل في الابتكارات التقنية وفي التجارة الرقمية والخدمات والتسويق الإليكتروني. صدارة عالمية ولأن ريادة الأعمال سياق عالمي للمشاريع الناشئة الصغيرة والمتوسطة، فقد دخل ضمن مؤشرات التنافسية الدولية ، وفي زمن قياسي قفزت المملكة بهذا القطاع إلى مواقع متقدمة في قائمة هذه المؤشرات المعنية بذلك ، بل تصدرتها في أكثر من عنوان للمنافسة ، حيث دمغت تفوقها في تقرير المرصد العالمي لريادة الأعمال للعام 2019 / 2020، كثمرة لخطط النهوض بهذا القطاع والتي انطلقت عام 2017م ، ضمن تعزيز القطاع الخاص غير النفطي، لتحقيق رؤية 2030. في هذا السياق نشير هنا إلى حزمة من الثمار والحصاد على الصعيد الدولي والتي سبق وأعلنته الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة "منشآت": – تحقيق المملكة للمركز الأول بمؤشر "معرفة شخص بدأ مشروع جديد"، والذي يؤكد الإيجابية التي تميز بيئة الأعمال والرغبة في العمل التجاري. – المرتبة الثالثة عالميا من حيث السياسات الحكومية الداعمة لريادة الأعمال. – المركز الثاني في مؤشر "امتلاك المعرفة والمهارات للبدء في الأعمال"، ويعكس التأثير الإيجابي للبرامج الداعمة على بناء مهارات الشباب والشابات التي تؤهلهم للبدء بأعمالهم الريادية. – المرتبة الثالثة في مؤشر "توقعات الوظائف التي يتم خلقها بواسطة ريادة الأعمال". – المرتبة السادسة بمؤشر "الفرص الواعدة لبداية المشروع في منطقتي". – أيضا إشادة المؤشرات الدولية بمبادرة المملكة لدعم المرأة السعودية وتمكينها من خلال سلم رواتب للجنسين، إضافة إلى اشراك ودعم المرأة في الأعمال الصغيرة والمتوسطة. مسك الخيرية وريادة الأعمال تؤدي مؤسسة الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز الخيرية "مسك الخيرية" دورا كبيرا في قطاع ريادة الأعمال بالمملكة متمثلة في برنامج "مسك الابتكار"، الذي نجح في توظيف تقنيات "وادي السيليكون" الشهيرة لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة المشاركة في البرنامج من المملكة وخارجها بهدف جذب الاستثمارات لنمو المشاريع ، وإضافة إلى ذلك أطلق برنامج "مسك الابتكار" مبادرة تحت عنوان "السعودية تبرمج" بالشراكة مع عدد من الأجهزة الحكومية ومن القطاع الخاص ، حيث نجح في استقطاب نحو أكثر من مليون شخص للمشاركة في المبادرة، التي تعنى بتدريس مهارات البرمجة الأساسية ، مما يمنح فرصا واسعة للمبتكرين ورواد ورائدات الأعمال. أخيرا تتواصل الجهود والبرامج الحكومية لتعزيز قطاع ريادة الأعمال في المملكة ، وتوفير السياسات والإجراءات الممكنة، لزيادة معدلات وفرص التمويل المناسبة للمشاريع الريادية والمنشآت المتوسطة والصغيرة، وخلق ثقافة محفزة وداعمة لرواد الأعمال، وتطوير رأس المال البشري القادر على بناء منشآت ريادية وخلق الأسواق المناسبة بما يعزز المحتوى المحلي.