في خطوة جديدة للانتقام من المعارضين لسياساته، حشد الرئيس التركي نواب حزبه الحاكم العدالة والتنمية وحليفه حزب الحركة القومية في البرلمان، أمس (الثلاثاء)، لتمرير مشروع تعديلات على قوانين العقوبات تتيح الإفراج عن المتهمين في جرائم قتل وسرقة واغتصاب ونصب وأعضاء عصابات الجريمة المنظمة، مع استثناء المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي والصحافيين، وذلك بعدما تمت الموافقة على مشروع القانون الجديد من قبل لجنة العدل التابعة للبرلمان. ورغم أن التعديلات المقترحة تلقى انتقادات كبيرة من السياسيين والمفكرين والفنانين والصحافيين ومنظمات حقوق الإنسان والاتحاد الأوروبي وعدد كبير من نواب البرلمان، الذين يطالبون بألا يكون هناك عنصرية وتمييز في تخفيض العقوبة والعفو، وإلا فإن الأمر سيكون قتلا عمدا للسجناء السياسيين، إلا أن حزب العدالة والتنمية الذي يسيطر على الأغلبية في البرلمان وحليفه حزب الحركة القومية لا ينصتان أو يباليان بأي انتقادات سواء داخلية أو خارجية. وتنص تفاصيل التعديلات التي أجريت على 70 مادة في 11 قانونًا مختلفًا، على الإفراج أو تخفيض مدة العقوبة للسجناء واستثناء المتهمين في جرائم العنف والإرهاب، بينما توجه في العادة للسجناء السياسيين كالصحافيين والمعارضين والنشطاء الحقوقيين تهمة دعم "الإرهاب"، ما يعني حرمانهم من العفو العام، في ظل انتشار وباء كورونا الذي يزيد القلق على وضعهم مع عدم شمولهم بمقترح تقليل فترة العقوبات، رغم أنه يشمل السجناء الجنائيين. وانتقد الرئيس السابق عبد الله جول، والأحزاب المعارضة، بمن فيها حزب المستقبل بقيادة أحمد داود أوغلو وحزب الديمقراطية والتقدم بزعامة علي باباجان، التعديلات ووصفوها باستغلال الأوضاع الراهنة للتنكيل بالمعارضين للرئيس التركي الذي ركز كل السلطات في يديه ويمضي بتركيا إلى طريق كارثي العواقب. وقال المحامي التركي البارز أوغور بويراز، إن حزمة العفو العام التي سيطبقها أردوغان ليس الهدف منها إنصاف المظلومين وإنما إنقاذ المتهمين المقربين من السلطة، مضيفًا أنه: "في الأيام الأخيرة هناك أحداث فساد قام بها الهلال الأحمر، بينما هناك من يعاقبون بتهم التهرب الضريبي؛ وسوف يستفيد كل هؤلاء ممن يحاكمون في هذه القضايا من تلك الحزمة بصدور قانون العفو؛ ولكن من ثبت أنه قام بمساعدة بعض الجمعيات والمؤسسات المعروفة، ولو بمبلغ زهيد لن يستفيدوا من تلك الحزمة"، في إشارة إلى المؤسسات الخيرية التي يدُعى أنها مقربة من فتح الله كولن، والتي تزعم السلطات علاقته بالانقلاب الزائف منتصف يوليو عام 2016. تسييس نظام أردوغان للجائحة للتنكيل بالمعارضين لم يتوقف عند السجناء السياسيين، بل شمل رؤساء وأعضاء بلديات محسوبين على المعارضة، حيث قال الأكاديمي التركي بجامعة إسطنبول غوركان جوفين أوزتان، إن أردوغان يعامل بلديات المعارضة معاملة الأعداء في زمن الكورونا، مشيرًا إلى أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة التركية تكذب دعوتها إلى استجابة وطنية لجهود مكافحة كورونا؛ وذلك لأنها تعامل البلديات الكبرى التي تسيطر عليها المعارضة معاملة الأعداء، واستدل أوزتان على ذلك بأن أردوغان تجاهل منذ البداية دعوات رؤساء البلديات المعارضة في المدن الكبرى لفرض قيود أكثر صرامة لوقف انتشار الفيروس. وكان عمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو من حزب الشعب الجمهوري، طالب منذ أسابيع بإغلاق شامل للمدينة، التي تعد الأكبر في البلاد بحوالي 20% من سكانها، وشهدت ما يقدر بنحو 60% من حالات الإصابة بالفيروس الفتاك، لكن الحكومة امتنعت عن الإغلاق والعزل الكامل، وبدلًا من ذلك فرضت حظر التجول على المسنين والضعفاء، ومن ثم على الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 20 عامًا. وأشار أوزتان إلى أنه "لو كانت الحكومة استجابت لدعوة إمام أوغلو ربما لم ينتشر المرض بهذه السرعة، ولا ارتفع عدد الوفيات إلى الحد الذي بلغه. وللأسف، حتى لو تم الآن فرض عزل كامل على المدينة فسيكون الأوان قد فات بالفعل". وفي تأكيد على اضطهاد أردوغان للعلماء وتجريده المجتمع التركي من الكفاءات بمزاعم سياسية، كشف خبير الطب النووي التركي المفصول من عمله خلال حالة الطوارئ مراد صاديتش، أن دراستين له حول فيروس كورونا تمت الموافقة عليهما بسرعة كبيرة في أمريكي، وأنه تلقى دعوة لاستكمال أبحاثه في إحدى مستشفيات جامعة هارفارد. وصاديتش من بين المفصولين بمراسيم أردوغان خلال حالة الطوارئ عقب الانقلاب المزعوم عام 2016، وبعد قضاء فترة السجن الإجبارية، اضطر إلى مغادرة تركيا بطريقة غير شرعية، وحصل على حق اللجوء في ألمانيا، ليواصل دراساته الأكاديمية هناك، قبل أن تدعوه أمريكا.