هكذا تعلّمنا منذ نعومة أظافرنا، وهكذا تربّت كل المنازل. لم يكن العطاء رفاهية يتمتع بها من لديه فائض من الوقت يقضيه في تلمّس حاجات الناس، بل كان واجباً يقوم به الصغير قبل الكبير في الحي، فلا يخلو حفل زفاف، ولا مأدبة عشاء، ولا واجب عزاء.. إلا وتجد أبناء الجيران يقفون وكأنهم أصحاب المناسبة، يرحبون بالحضور، ويحرصون على أن يلقى الضيف أفضل أنواع الضيافة الممكنة.. تعلّمنا أن نفعل الخير ونلقيه في البحر، ليقيننا أن البحر سيكون وفياً لذلك الخير وسيبقى محتفظاً به في أعماقه.. تعلّمنا أن إطعام الطعام من شيم الكرام، فكانت مائدة الطعام تحمل أصنافاً من المأكولات لا نعلم من قامت بتجهيزها من الجارات، تعلّمنا أن “مقاضي الشهر” تعمها البركة إن شاركناها مع غيرنا.. تعلّمنا العمل التطوعي دون أن ندرك معناه.. فقط بما تحمله فطرتنا من حب للعطاء والبذل وبما رسخ في نفوسنا من تعاليم ديننا، فعندما تدرك أن الصدقة بعشرة أمثالها وأن كل معروف صدقة، وأن السير في قضاء حوائج الناس صدقة، تعلم أن العمل التطوعي هو أنبل الأعمال التي تكسبك محبة الناس في الدنيا و الأجر العظيم في الآخرة. اليوم.. ونحن نعيش في حياة الماديات التي طغت على تفاصيلنا وانقضت على أوقاتنا فسلبتنا الساعات والدقائق، ولم نعد نستطيع العيش ببساطة ذاك الزمان وتلقائيته، ومع ازدياد الحاجة للقيام بالعمل التطوعي فلم يصبح الأمر التفضّل بالفائض من وقتنا، بل ضرورة المساهمة بشكل فعّال في تقديم ما نستطيع تقديمه من خلال ما نقوم به، لا نتبرع بمالنا ونعتقد أننا أجزلنا العطاء، بل محتّم علينا أن نتبرع بكل ما نستطيعه وقتنا وعلمنا وعملنا ثم يأتي المال ليتمم ما سبق. أخبرني.. كيف سيكون شعورك إذا أصبح العمل التطوعي في حياتك ضرورة، وأصبحت تضعه ضمن جدول مهامك اليومية. تريد أن تعرف الإجابة.. ليس عليك سوى أن تنظر في وجه أحد أولئك الشباب.. الذين سمت أرواحهم بسعادة تظهر على قسمات وجوههم، تلك الوجوه التي لم تخلو من تعب ومشقة السعي لتقديم كل ما لديها، إيماناً منهم بقيمة ما يقومون به، حتى لو كان ذلك على حساب أمور حياتية تركوها في سبيل الوصول لتلك السعادة. اليوم.. الخامس من ديسمبر، اليوم العالمي للتطوع، هذا اليوم ليس إلا تعبيراً بسيطاً لكل متطوع في أرجاء الكون، لا يسعنا فيه إلا أن نقف لهم وقفة تقدير وعرفان مبتهلين لهم بالدعاء أن يفتح الله بما يفعلونه باباً يبلغون به جنات النعيم. للتواصل على تويتر وفيس بوك