تهل على وطننا الغالي في السادس والعشرين من هذا الشهر مناسبة ثمينة جدا، هي الذكرى الرابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أيده الله مقاليد الحكم في هذه البلاد خلفاً لأخيه الراحل عظيم الخصال، الملك فهد بن عبدالعزيز طيب الله ثراه وأرضاه، وفي مناسبة عظيمة كهذه، يتذكر المرء ما تحقق لوطننا الغالي من المكاسب الوطنية والتنموية الكثيرة عبر أربع سنوات خلت، في مجالات عديدة، سياسية واقتصادية وثقافية وتربوية واجتماعية، ينوء بذكرها تفصيلاً النطاق المخصص لهذه المداخلة. لكنني، رغم ذلك، سأضرب أمثالاً لأبرز تلك الانجازات لأدلل بها على أن هذا العهد الميمون قد اقترن منذ بدايته بمكاسب جمة تخدم نتائجها عيش المواطن وأمنه واستقراره. وتزامن مع هذا العهد المبارك صعود غير مسبوق لسعر النفط في الأسواق العالمية، تجاوز في بعض مراحله المئة دولار أمريكي للبرميل الواحد، فنمى بذلك الدخل العام للدولة نموا انعكست آثارها إيجاباً، عاماً أثر عام، على حجم الميزانية العامة للدولة بمقادير لم يشهد لها مثيل من قبل، وسجلت ميزانية العام المالي الحالي (1429 / 1430ه) زيادة ضخمة لتبلغ أربعمائة مليار ريال سعودي، وهي أضخم ميزانية في تاريخ المملكة العربية السعودية، وجاءت هذه الزيادات المتتالية دعماً لقدرة أجهزة التنمية في تنفيذ مشروعاتها على كل الصعد. من جهة أخرى، ترتب على زيادة الدخل العام للدولة ظهور فائض مالي سخي من ميزانيات السنوات الأربع الأخيرة استثمر، بتوجيه كريم، في تنفيذ المتعثر والمستعجل من مشروعات البنية التحتية في جميع أنحاء المملكة، بتكلفة بلغت المليارات من الريالات، وكان هذا الفائض سبباً في تسريع وتيرة إنجاز العديد من تلك المشروعات التنموية. أبرز المنجزات التنموية: نأتي الآن إلى عرض موجز لأبرز إنجازات هذا العهد المبارك، محليا وعربيا ودوليا. فعلى الصعيد المحلي: أدى تنامي الدخل العام، بفعل الزيادات غير المعهودة في ريع النفط بشكل رئيسي، إلى تسريع وتيرة الإنجاز للعديد من مشروعات التنمية المهمة، أسرد بعضها، تمثيلاً لا حصراً: 1- وضعت خطة لإنشاء عدد من المدن الاقتصادية الضخمة في أكثر من منطقة، شرع في إنجاز أولاها في رابغ، لتكون مركزاً للإشعاع الصناعي والحضاري ضخم الجودة عالي البنيان، ومن شأن هذه المدن أن تكون وسيلةً لاستثمار وتصنيع الخامات المحلية وغير المحلية، وخلق فرص العمل للآلاف من الكفاءات المؤهلة الشابة. 2- الشروع في إنشاء المزيد من محطات تحلية المياه وزيادة قدرات المحطات الحالية بطاقات عالية، تلبي الاحتياجات المتزايد لاستهلاك المياه في العديد من مناطق المملكة. 3- افتتح المزيد من الجامعات ليصل عددها خلال هذا العهد المبارك إلى أكثر من عشرين جامعة تنتشر من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، إلى جانب الكليات التقنية والمتوسطة، والمعاهد المتخصصة. 4- تحقق بحمد الله وقوته حلم قديم لسيد هذا العهد أيده الله بإنشاء جامعة تقنية عالمية المستوى، تحمل أسمه حفظه الله، تقع على ساحل البحر الأحمر، بالقرب من مدينة جدة ويوشك إنجاز مشروع هذه الجامعة العملاقة في ثول أن يبلغ نهايته قريباً بإذن الله، ويتوقع أن تكون هذه الجامعة صرحاً علميا متخصصا ذا صيت عالمي، ليس في الشرق الأوسط فحسب بل في العالم غرباً وشرقاً. عربيا: 1- شهد هذا العهد الميمون ميلاد ما بات يعرف الآن ب (المبادرة العربية لإحلال السلام في الشرق الأوسط) بين الأطراف المعنية في محور الصراع العربي الفلسطيني، وقد بدأها خادم الحرمين الشريفين أيده الله في أحد مؤتمرات القمة العربية عبر مبادرة كريمة منه حفظه الله للإسهام في حل هذه المعضلة الدولية المزمنة، ولقيت هذه المبادرة الشجاعة صدى إيجابيا حاز التقدير والإعجاب في جل المحافل العربية والدولية. 2- قاد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أيده الله حملة مباركة لإصلاح ذات البين بين بعض الأطراف العربية المتنازعة، تكللت بنجاح كبير، وشهدت قمة الكويت الاقتصادية قبل نحو أكثر من شهرين انطلاقة هذا الجهد المحمود، لتثبت المملكة من خلالها، أنها قيادة وريادة ومنهجاً، قادرة على لعب دور الأخ الأكبر الصالح المصلح، ترميماً للجسد العربي، وتحصيناً لكرامة أعضائه، وحقناً للخلافات التي تمزق وحدته وتعوق أداءه. دوليا: حققت المملكة صيتاً إنسانيا مدوياً بالدعوة إلى الحوار العالمي بين أتباع الأديان، وكان الملك عبدالله حفظه الله صاحب الفكرة ومهندسها ورائدها، وقد انطلقت التجربة من على منبر الأممالمتحدة في نيويورك وبحضور العديد من قادة العالم ودعاة السلام في الأرض، وسبق ذلك كله مولد تجربة (الحوار الوطني) داخليا على مستوى المملكة، نفذ من أجلها عدد من المؤتمرات المحلية المهمة، وقد تحولت هذه التجربة عبر السنين القليلة الماضية إلى جهد مؤسسي هام، (بأجندة) وطنية مستقرة ومستمرة، وكان الهدف من هذا الجهد ولم يزل التأسيس لثقافة حوار يعترف كلا طرفيه بالآخر، ويتعلم كل منهما كيف يتآلف مع الاختلاف في الرأي دون إقصاء أو استقواء أو تهميش، والأمل أن تسود هذه الثقافة لتعم الأسرة والمدرسة والجامعة والمحافل الرسمية وغير الرسمية، لأن الحوار هو الصراط الآمن للتعايش السوي بين الأطراف المختلفة. كلمة أخيرة : أختتم هذه المداخلة بوقفة قصيرة تتحدث عن العطاء الإنساني للملك عبدالله في أجمل وأبدع صوره، فأقول : إن لسيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود أيده الله إشراقات مضيئة تفيض إنسانية ورحمة وعطفاً إزاء من يؤهله موقف ما لذلك، لكنه حفظه الله في الوقت ذاته شديد البأس على المقصر في أداء واجبه، أيا كان موقعه أو موقفه، أو زمانه أو مكانه، وتلك خصال شهدتها أو سمعت أو قرأت عنها.