كلما مررنا من ذلك الحي الذي كنا نسكن فيه أنا وأسرتي، ومهما كانت هوية السائق إن كان أحدنا أو أنه يؤدي مهمته فقط.. فلابد له من مراعاة تلك الحالة من المشاعر التي تنتابنا جميعنا، فيتوجب عليه الإبطاء من سرعة السيارة لنتمكن من ملاحظة الفوارق العشر التي استحدثت على المكان، و على قدر الفترة الزمنية التي قضاها كل واحد من بيننا في ذاك المكان يكون مقدار الشعور، أما من لم يحالفه الحظ من صغار المجموعة، يبقى في حالة من الذهول من خليط المشاعر المصحوبة بارتفاع الأصوات في حالة هستيرية من الذكريات المتشابكة، والتي لا تخلو من كلمة « فاكرين.. « ويجري بعدها سيل من القصص المختصرة لأحداث عمر مضى، حتى تلك الذكرى التي ألمتنا في حينها تصبح من الذكريات الجميلة.. مهما حملت معها من غصات متسللة، فلن تخلو الذكرى من أناس فقدناهم في جنباته واعتقدنا أننا لن نتخطى حقيقة فقدهم.. إلا أننا تخطينا الأمر، وأناس أوجعونا وتخيلنا أننا لن نغفر لهم.. إلا أننا تجاوزنا عنهم. لو كان لتلك الحجرات يدان.. لمررت على كل حجرة وارتميت في أحضانها أناشدها أن لا تبتعد، لو كان لتلك الأبواب آذان.. لأشبعتها همساً أخبرها كم أحب الاحتماء خلفها، لو كان للفناء قلب.. لأخبرته كم أشتاق لكل شبر فيه. هل حقاً شوقنا كان للمكان.. هل يشعر بشوقنا.. أو اشتاق هو بدوره إلينا؟ لو أن للمكان مشاعر لما تركنا نبتعد، وربما كان سيرفض كل من يحاول أن يكون مكاننا، لو كان للمكان إرادة.. لما رضخ لعوامل التغيير التي تمر به مع كل ساكن جديد حتى تبقى ذكرانا في كل ركن فيه. لم يكن الشوق إلا لمن كانوا يرافقوننا فيه، ولو أننا بقينا معاً لما أثرت فينا النوافذ والأسوار، فلم نترك عندها سوى بعض القصص، بينما أبطالها رافقونا إلى حيث انتقلنا، وبدأنا معهم في سرد قصص جديدة في المكان الجديد. لم تكن الأماكن كلها مشتاقة لك.. بل كل المشاعر والضحكات والعبرات تنتظرك، وسواءً عدت أم لم تسمح لك الظروف بالعودة.. فلربما لم يصبح بيدك القرار، سأتخيلك تقف أمامي وأيقظ ذاكرتك قائلة:» فاكر لما كنا صغار…» للتواصل على تويتر وفيس بوك