قال وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة إنه ليس من حديث أشهى إلى النفس وأحب من حديث الذكريات وليس من حافز يدفع الإنسان نحو الأمل ويبعث الطمأنينة يفوق استلهام الماضي المجيد. وأضاف في كلمته أول من أمس خلال حفل التواصل السنوي الذي أقامته إذاعة جدة لرواد العمل الإذاعي من المتقاعدين والجيل الحالي بمقر الغرفة التجارية الصناعية بجدة: "أشعر في هذه الليلة المباركة معكم ومع كل المسلمين والمسلمات بأعظم ذكرى مرت على تاريخنا ألا وهي ذكرى الانتصار والكرامة والمجد حينما نصر الله تبارك وتعالى نبيه وصفيه سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم وصحبه الكريم في حديث انتصار الحق على الباطل في (معركة بدر) في السابع عشر من شهر رمضان المبارك من السنة الثانية للهجرة النبوية المباركة فما أعظمها من ذكرى وما أعظمه من تاريخ". واستطرد الوزير في حديثه عن الذكريات بالقول: "حينما أصدر الروائي الكولومبي العالمي غابريال غارثيا ماركيز سيرته الذاتية الممتعة (عشت لأروي) فإنه لم يتعد الحقيقة ولم يجاوزها فحياة الإنسان الحقة هي ما عاشه ليرويه، وها نحن الليلة اجتمعنا لنروي ما عشناه في ضرب جميل من الحنين إلى الماضي وفي ذلك الضرب من الاستدعاء الذي أسماه علماء النفس (نوستالوجيا) أي الحنين إلى الماضي حين يشتاق الإنسان إلى ماضيه يرتمي في أحضانه وكأنه يشتاق إلى الرحم الذي خرج منه وإلى أول أرض مس جسمه ترابها وأول بيت سكنه وأول دفتر خط على أوراقه أول قصيدة حب في حياته وحين يلتقي بأصدقائه القدامى فليس سوى تلك الذكريات الحلوة التي يقطع فيها جمهرة الأصدقاء أحاديثهم.. إنهم يتشبثون بذلك الماضي حيث الدفء وحيث الأمان وحيث الماضي الذي نقرأ فيه ملامحنا ونتأمل فيه فعل الزمان فينا". وواصل "ألا يحس كل واحد منا بصدق أمير الشعراء أحمد شوقي وهو يقول، وكأنه يعبر عن نفسي ونفسك: قد يهون العمر إلا ساعة وتهون الأرض إلا موضعاً ولا يحسبن أحد منا وقد ضربنا في أسباب الحضارة والتطور أننا نستطيع أن نلغي ذاكرتنا وأننا أصبحنا غير ما كان عليه ذلك الشاعر القديم حينما يقف أمام ذكرياته يستدعيها ويبعثها في نفسه جديدة حية ولا يحسبن أحد منا أن أولئك الشعراء الذين طالما بكوا الديار والأطلال إنما كانوا يمارسون ضربا من الفن قد انتهى زمانه!، كلا! فإن لكل واحد منا طللا يبعثه جديداً فتياً ويتأمل رسومه ونقوشه وذلك الطلل هو نفسه التي تنطوي عليها أضلعه ولطالما وقف من رزقه الله تبارك وتعالى الحس والإرهاف أمام نفسه يستدعي ذكرياته وكأنه ذلك الشاعر القديم الذي وقف واستوقف وبكى واستبكى ولم تكن تلك الأطلال رموزاً تجاوزها التاريخ ولكنها كانت رموزاً للحياة وأظن أن هذا الضرب من الماضي هو الذي يمثل النوع الإنساني". واستطرد وزير الثقافة والإعلام قائلا "لا عذر لكم فأنتم من أثرتم في نفسي هذا الحديث وما كان في يوم من الأيام مندثرا وهل يستطيع شاعر أن يحيا دون ذاكرة؟! وها أنتم الليلة تبعثون في نفسي الشوق فتياً وأعدتموني إلى أصوات طالما أنسنا إليها وذاكرة تحولت إلى تراث حي في ضمائرنا ويطيب لنا حينا بعد حين أن نؤوب إليه ونستمد منه القيمة والرمز. والإذاعة وأنا في حضرة رموزها ليست بالحدث الهين في حياتنا فلطالما بعثت في الأنفس من الهيبة والإحساس بالذات ما لم يستطعه سواها من وسائل الإعلام إذ تبعث المستمع إليها إلى الوحدة والتأمل والإصغاء وتدربه على تذوق المعنى وتنمي فيه الخيال وتبعث فيه القدرة على تذوق الأصوات مهما اختلفت والمذياع أو الراديو ليس حدثاً عادياً في حياتنا إنه لمن عرفه قديماً مثل معرفتي به حزمة من الرموز والطقوس وليعد من أدرك تلك الأيام بذاكرته إلى ذلك الماضي وليحاول أن يستعيد موقع جهاز الراديو في حياتنا إنه كان يحتل موقع التكريم في تلك الحياة وهل من تكريم يفوق احتلاله مكانة بارزة في بيوتنا، وأن يحظى بتلك الألوان من الرعاية وهل من متعة تطغى على متعة الالتفاف حول ذلك الجهاز البديع الجميل بصندوقه المصنع من أجود أنواع الخشب ومؤشره البارز وأضوائه الزاهية وكم كانت أسماء المحطات الإذاعية المرموقة عليه تثير في النفس ضروباً من التأمل. وقال "أما الثقافة والفنون والأدب فلكم كانت الإذاعة مدرسة حقيقية لكثير من الأدباء والمثقفين وكانت باعثا لهم على خوض مجاهل الأدب والفن فكان منهم الأدباء والعلماء والمثقفون وهل يستطيع أحد ممن أدرك تلك الأيام أن ينسى برنامج (قول على قول) الذي كان يبث من إذاعة لندن بصوت الإعلامي والعالم الكبير حسن سعيد الكرمي رحمه الله وكان سياحة عظيمة في الإبداع الشعري العربي قديمه وحديثه وليتحسس كل فرد منا الأثر الذي تركته فينا برامج الإذاعي والأديب الكبير مطلق الذيابي رحمه الله وسواها من البرامج الثقافية والعلمية والأدبية التي لا تزال نفوس المستمعين متعلقة بها ولعلكم تدركون أكثر من سواكم عشق المستمعين والمستمعات للبرامج القديمة كشوقنا لتلك البرامج الرائعة التي كنا نستمع فيها إلى مدارس في الإعداد والتقديم والإخراج والهندسة الإذاعية فنستعيد إذ نستعيد تلك البرامج.. الإبداع والصبر والمهنية". وعبر عن سعادته باستعادة الماضي العزيز والبهي والعودة بالذاكرة إلى تلك البرامج بلقاء الإذاعيين الكبار الذين استطاعوا أن يكونوا معالم مدرسة إذاعية سعودية ذات تقاليد وأصول وأزجى التحية خالصة لمن بنوا ذاكرتنا الإذاعية بتعبهم وجهدهم ولمن شقوا الطريق فمهدوها لمن جاء بعدهم من الأجيال فساروا على دربهم ونهجوا نهجهم، شاكراً العاملين في إذاعة جدة على تنظيم هذا الحفل. ثم ألقى المذيع عبدالله راجح كلمة الرواد أشاد فيها بتشريف وزير الثقافة والإعلام هذا الحفل الذي يعد تجسيدا لماض جميل شقته إذاعة جدة عبر تاريخها الإعلامي. وتمنى أن تتكرر مثل هذه الأعمال التي تعزز التعارف والتواصل بين الجيل السابق والجيل الجديد في الإذاعة. بعد ذلك قدمت نماذج من البرامج الإذاعية القديمة والقائمين على إعدادها وتنفيذها. وكان الحفل قد بدأ بآيات من القرآن الكريم، ثم ألقى مدير عام إذاعة جدة الدكتور عبدالله بن عثمان الشائع كلمة رحب خلالها بوزير الثقافة والإعلام مزجياً له الشكر على تشريفه هذه الأمسية من أمسيات التواصل التي تعد تذكيراً بعبق الماضي الذي عمل فيه هؤلاء النخبة من جيل الرواد من الإذاعيين. وبين أن إيقاع الحياة الصاخب والانشغال بالهمّ الإعلامي وتسارع الخطى في الركض الإذاعي قد استحوذ على معظم أوقات زملاء المهنة فقلل من التواصل المباشر بينهم مشيرا إلى أن أمسية التواصل في هذه الليلة التي أعدها العاملون في إذاعة جدة تأتي في إطار تجسير علاقة التواصل الأخوي وتثمين أواصر الألفة بين الزملاء كما أنها فرصة يجتمع فيها جيل الشباب من الإذاعيين بجيل الرواد تحت سقف واحد بعد أن باعدت بينهم مسافات المكان وتغير الأوقات والزمان واختلاف البرامج الإذاعية والمهام. وقال "إن هذه المناسبة للقاء الجيل الجديد من الإذاعيين الشباب الذين يتحملون العمل الإذاعي اليومي للتعرف عن قرب على خبرات جيل الرواد من الإذاعيين الذين عايشوا انطلاقة البث الإذاعي وعاصروا بدايات الإذاعة في بلادنا الغالية تحت قيادتها الرشيدة". وأردف "ما أجمل هذه الأمسية في أن تكون ليلة العشق الأخوي والتواصل المهني في ليلة من ليالي النفحات الإيمانية في شهر المحبة والتآخي والتواصل وكأن هذه الأمسية في أهدافها ومراميها تأتي تطبيقاً وتفعيلا لتوصيات روحانية هذا الشهر الكريم في أهدافه النبيلة وحكمه العظيمة". وشكر كل من أسهم وتعاون في الإعداد لهذه الأمسية وفي مقدمتهم الغرفة التجارية الصناعية بجدة لاستضافتها فعاليات هذه الأمسية الرمضانية للتواصل. حضر الحفل وكيل الوزارة المساعد لشؤون الإذاعة إبراهيم الصقعوب والمشرف العام على فرع وزارة الثقافة والإعلام بمنطقة مكةالمكرمة سعود بن علي الشيخي ونائب رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بجدة مازن بن محمد بترجي وعدد من المهتمين بالثقافة والإعلام والأدب.