شغفت بحب القراءة في سن مبكرة من عمري، وكانت هوايتي المفضلة على سائر الهوايات، وفي سبيلها ضحيت بجزء من مرتبي الشهري وما قد يلحقه من حوافز، في شراء الكتب والمجلات والجرائد المحلي منها والخارجي. ومن المجلات الخارجية التي كنت أحرص على شرائها باستمرار في مرحلة الشباب مجلة (المصور) المصرية ومتابعة ما ينشر في باب (أسألوني) للكاتبة (أمينة السعيد) والذي تستقبل فيه الرسائل الحاوية للمشكلات الاجتماعية وتقديم المشورة لمرسليها بأسلوب ينشد الأمل والخير والإصلاح. وكنت أحتفظ ببعض ما أعجبني مما ينشر في هذا الباب من الموضوعات التي أتفاعل معها (نفسياً). وفيما يلي ألخص مضمون إحدى الرسائل المنشورة في هذا الباب في التسعينات الهجرية، والتي ما زلت أحتفظ بها، ورد المسؤولة عليها، للإفادة والعبرة والمتعة. (ورد إلى المسؤولة عن باب (اسألوني) في مجلة المصور المصرية (أمينة السعيد)، ونشرت في حلقة من حلقاته في أواخر التسعينات الهجرية، رسالة طويلة أسمتها بالرسالة (الحزينة) بطلها زوج على المعاش وله ذرية شقوا طريقهم في الحياة وبقي هو وزوجته، أبتلي في أخريات حياته بالعديد من أمراض العصر من أهمها (السكر والضغط وهشاشة العظام) ومع مرور الأيام وتقدمه في السن وقصوره في خدمة نفسه قلّت عناية وخدمة زوجته به، رغم نشاطها وقدرتها على ذلك، وتبعها أبناؤها في هذا القصور المقيت. وسط بعض أقاربه في إقناع زوجته وأبنائه بالالتفاف حوله والعناية به (خدمة وحياة) ولكن دون جدوى. وباتفاق خفي بين الأم والأبناء على إدخال والدهم (دار العجزة والمسنين) للتخلص منه دون علمه بخطتهم، لكن المسؤول عن دار الإيواء والمسنين بعد وقوفه على الحالة: اتضح له إن الأب في كامل قواه العقلية ولا ينقصه سوى الخدمة والمؤانسة، ولا تنطبق عليه شروط الإيواء، وإن على أبنائه وزوجته تولي أمره والقيام على خدمته وطلب الزوج رأي المستشارة في مشكلته: وكان خلاصة ردها عليه كالآتي: (قرأت مشكلتك وتألمت لأحرفها الدامعة، كان الله في عونك.. ولو كنت مسؤولة لألزمت أبناءك وزوجتك بمسؤولية خدمتك حتى يأتيك اليقين؛ لأنهم بدلوا البر بالعقوق والطاعة بالعصيان فقد قال تعالى في حق الزوج على زوجته : {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون} الروم(21). وقال صلى الله عليه وسلم : (لو كنت أمر أحداً لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) وفي نكران الأبناء لبر وحق الأبوة قال تعالى : {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}[الإسراء:24]. قلت كانت بحق رسالة باكية وما أكثر الأبناء والزوجات الذين تخلو عن خدمة آبائهم وأمهاتهم وأزواجهم، وتخلصوا منهم بإيوائهم في دور العجزة والمسنين بحجة سوء تصرفاتهم وعدم استقرارهم عقلياً؟ ومن قدر له زيارة دور الإيواء والمسنين في بلدٍ من بلدان العالم فسيرى فيها من الحالات التي تتفطر لها القلوب الشيء الكثير. خاتمة: جعلنا الله وإياكم ممن يبر والديهم ويسهر على راحتهم خاصة في حالتي الكبر والعجز والمرض .. ووفق كل زوجة تخاف الله وتتقيه القيام بخدمة زوجها وطاعته مهما قابلها من تعب ونصب، خاصة عندما تنتابه الأمراض ويداهمه الكبر والعجز لتحظى بالجزاء الأوفر والبشارة المنتظرة (أيما زوجة مات زوجها وهو راضٍ عنها دخلت الجنة).