بالعودة إلى تاريخ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الموقع مع إيران في مايو 2017، دخلت الأخيرة في سلسلة من الجدل مع معارضي الخطوة؛ باعتبار أنها ستؤدي إلى جملة من الأحداث التي قد تنتهي بالحرب. وكان المستشار في إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فيليب غوردون، قد كتب تحليلا نشرته مجلة “فورين أفيرز” الأميركية، بشأن الخطوات التي أدت إلى رفع منسوب التوتر، مقدما سيناريوهات بشأن التصعيد المتبادل بين طهرانوواشنطن، لافتا إلى احتمال أن يؤدي التصعيد إلى “كارثة غير مقصودة”. وقال غوردون: إن مؤيدي الصفقة النووية مع إيران يعترفون بأنها ليست مثالية، لكن انسحاب واشنطن (وهو ما حدث) قد يؤدي إلى انهيار الصفقة، ومن ثم عودة إيران إلى تخصيب اليورانيوم، الخطوة الممهدة لحصولها على سلاح نووي. وفيما يلي البيت الأبيض ومعارضو الاتفاق، فقد أعربوا عن رفضهم لهذه المخاوف “حصول إيران على السلاح النووي”، إذ أكدوا أنه في غياب الاتفاق، فإن السبيل لوقف برنامج إيران النووي هو الخيار العسكري. ومن أجل وقف هذه الخطوة، يتعين على الولاياتالمتحدة منع إيران بالقوة، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى إشعال حرب في المنطقة، وفق الكاتب الأميركي. ولفت غوردون إلى أن مسلسل التصعيد الحتمي بين الطرفين يبدو قيد التنفيذ؛ إذ تم، ضمن حملة “الضغط الأقصى” التي أعلنتها الولاياتالمتحدة ضد إيران، تصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، كما أن واشنطن أنهت الاستثناءات الممنوحة لمشتري النفط الإيراني، وألحقت ذلك بإعلان عن عقوبات جديدة بهدف شل اقتصاد طهران. ووصل التصعيد ذروته مع نشر حاملة الطائرات “أبراهام لينكولن”، ومجموعة القاذفات الاستراتيجية “بي 52” في المنطقة، بهدف إرسال رسالة واحدة إلى إيران؛ مفادها “لا تتحدوا الولاياتالمتحدة”. وكما هو متوقع، يقول غوردون: لم ترضخ إيران لضغوط ترامب، بل اتخذت مواقف متصلبة. ونوه غوردون إلى أن الرئيس الإيراني، حسن روحاني، أعلن تنصل بلاده من بعض الالتزامات التي يفرضها الاتفاق النووي المبرم عام 2015، مهددًا بالانسحاب الكامل خلال 60 يوما ما لم يقدم الأوروبيون (الموقعون على الاتفاق) ضمانات لحماية مصالح طهران الاقتصادية في ظل الاتفاق. وبعد قرار إيران بأيام، تعرضت أربع سفن تجارية في خليج عُمان للتخريب، كما تعرضت منشآت نفطية سعودية لهجمات من دون طيار. وأشار التقييم الأولي، بحسب ما ذكر مسؤول أميركي لصحيفة “وول ستريت جورنال”، إلى أن إيران متورطة في الهجوم، كما أنها تمد ميليشيات الحوثي الانقلابية في اليمن بالأسلحة والصواريخ والطائرات من دون طيار. وشدد غوردون على أن الحرس الثوري لجأ في الماضي إلى مثل هذه الهجمات المنسقة، ولذلك صدرت تحذيرات أميركية بشأن حدوث هجمات انتقامية إيرانية، بعد الضغوط الأميركية الأخيرة. وانتهجت إدارة ترامب الآن في الرد على إيران سياسة الكشف عن معلومات استخبارية، تفيد بتحضير إيران لهجمات صاروخية على مصالح أميركية، وهددت واشنطنطهران من مغبة الإقدام على مثل هذه النشاطات. ورأى غوردون أن تجنب مزيد من التصعيد حاليا أمر صعب، إذ يصر الطرفان على التمسك بموقفهما، فمن غير المرجح أن تعود واشنطن إلى التفاوض مع نظام لا تثق به. كما أن هناك احتمالا ضعيفا للتوافق على شروط ترامب بشأن الاتفاق النووي الجديد، مثل حظر كل عمليات تخصيب اليورانيوم وإلى الأبد، وزيادة رقعة عمليات التفتيش داخل المنشآت العسكرية والنووية الإيرانية، وتقييد برنامجها الصاروخي، ولجم توسعها الإقليمي. وأشار غوردون إلى سيناريو آخر، وهو انتظار إيران حتى عام 2020، على أمل أن يسقط ترامب في سباق الرئاسة الأميركية، لكن غوردون لفت إلى أن هناك 18 شهرًا أمام الإيرانيين قبل الانتخابات في الولاياتالمتحدة، وهي فترة طويلة ستعاني فيها طهران من أقسى العقوبات. ويبدو أن إيران تخلت عن هذا السيناريو، مع توعدها بالتحلل من التزامات الاتفاق النووي، ما لم تحصل على مكاسب اقتصادية من الأوروبيين. ورأى أن الولاياتالمتحدة ستكون أمام خيارين في حال انسحبت إيران من الاتفاق، ووسعت نطاق برنامجها النووي، وتورطت في هجمات بصورة مباشرة أو عبر وكلائها على المصالح الأميركية في المنطقة. والخياران، حسب المسؤول الأميركي، هما التراجع أم الإيرانيين، أو اللجوء إلى القوة العسكرية. ولفت إلى أن احتمال أن يدخل ترامب في نزاع مع طهران أمر يجب ألا يفاجئ أحدًا، لا سيما مع مراجعة سياساته منذ استلامه الرئاسة في يناير 2017. وفى سياق متصل، فضحت وزارة الخارجية الأمريكية أكاذيب النظام الإيراني، التي تمثلت في إعلانه عن تصنيع منظومة دفاعية محلية لاستعرض القوى أمام الرأي العام المحلي، مؤكدة أن هذه المنظومة قديمة ويعود تاريخها لستينيات القرن الماضي. وأوضح حساب فريق التواصل التابع للخارجية الأمريكية، في تغريدة عبر حسابه على موقع “تويتر”، أن المنظومة التي كشفت طهران عنها تحت اسم “رعد” ليست سوى منظومة دفاعية قديمة، يعود تاريخ تصنيعها إلى ستينيات القرن الماضي. وأضاف: إن هذه المنظومة تسمى في الأصل “سكاي جارد”، والتي كانت تنتجها شركة أورليكون النمساوية خلال حقبة الستينيات من القرن الماضي، وتمتلكها عدة جيوش على مستوى العالم. ووصفت الخارجية الأمريكية هذه المزاعم الإيرانية ب”الخداع”، خاصة أن طهران لدى كشفها المنظومة الدفاعية المذكورة نعتتها ب”الإنجاز المحلي”، وفقا لوسائل إعلام حكومية. يشار إلى أن نظام الملالي انتهج بث دعايات كاذبة مكررة تتعلق بالتصنيع العسكري محليا طوال السنوات الماضية، بهدف استعراض القوى أمام الرأي العام داخليا. وقبل 6 أشهر شكك خبراء عسكريون في إعلان إيران تصنيع أول طائرة مقاتلة محلية، حيث كشفوا أنها إحدى الطائرات الحربية الأمريكية التي تم بيعها إلى نظام الشاه محمد رضا بهلوي قبل نصف قرن، قبل أن تجري عليها طهران بعض التعديلات الطفيفة للغاية.