إنَّ المتتبِّع لشعر فهد عافت يجدُ عليه طابع الصنعة، إلا أنَّه يتميز عن غيره بتهذيبه، ويختلف شعره عن مذهب الأوائل الذين اهتموا بالبديع واستكثروا منه وأفرطوا فيه وبالتجنيس والمطابقة بأنَّه لم يهمل اللفظ، ولم يتحرَّ المعنى أولاً، ولم يغُص فيه مِن خلال ثقافته واطلاعه على مذاهب الأدب العربي وانفتاحه على الثقافات التي حضرت في شعره العمودي والحر، وحتى في نثره – مقالته – الذي يكسوه ثوبا جديدا، ولهذا نجده يعجب بأبي تمام- أي إعجاب- الذي يعده النقاد إمام الصنعة ورائدها؛ حيث تجد أثر التكلف في شعره ظاهرا، فإنْ كان أبو تمام ( آدب الناس وأعرفهم بكل شعر) فإنَّ فهد عافت كذلك، وهذا كان واضحاً في عمله بوصفه صحفيًّا يختار الشعر كما كان أبو تمام في ديوان الحماسة، فهو يحرص على ألا يختل معناه. ولا يختلف أحد على أنَّ فهد عافت جيِّدهُ جيِّد ورديئه جيد، وما إنْ يقع على فكرة أو صورة جديدة حتى يحضر ديوان أبي تمام؛ ليتأكد أنَّه أفلت منه كما ذكر في مقالٍ له بعنوان: (هل غادر الشعراء من متردّمِ؟!)، فكأنه يحذو بذلك حذو البحتري تلميذ أبي تمام الذي كان يغيّر عليه ويأخذ بصريحه؛ إذ يُقال:” قل معنى لأبي تمام لم يعمل البحتري في نحوه”، فإن أخذ مِن صريح الشعر كفهد فهو حق للإبداع. وقد تجلى الإبداع عند عافت في عكس الصورة حين قال: “اسميك المطر حاشاك لاما أنت المطر يامير وهو لا أعطى نزل وأما أنت تعطي وأنت في العالي”. وقد اقترب من قول المتنبي في التشبيه عندما قال: “تَشبيهُ جودِكَ بِالأَمطارِ غادِيَةً جودٌ لِكَفِّكَ ثانٍ نالَهُ المَطَرُ”. وكما قال الشاعر العباسي الملقب بالوأواء الدمشقي: “منْ قاسَ جدواكَ بالغمامِ فما أَنْصَفَ في الحُكْمِ بَيْنَ شَكْلَيْنِ أنتَ إذا جدتَ ضاحكٌ أبداً وهوَ إذا جادَ دامعُ العينِي”. ويقول نزار قباني: “كلماتنا في الحب تقتل حبنا وإنَّ الحروف تموت حينا تقال”. ويقول عافت: “مساحة السطر ما عادة تكفيني يموت حرفي إذا ما لامس أوراقي”. ولفهد عافت وصفٌ للأمير سلطان بن عبدالعزيز – رحمه الله – قال فيه: “ياعالي لولا التواضع تغليك خلا الحصى مِن تحتك الجدي وسهيل”. يقترب مِن بيت لعنترة بن شداد الذي يقول فيه: “سموتُ إلى العلا وعلوتُ حتى رأيت النجم تحتي وهو يسري”. وقد برع عافت في كل أغرض الشعر فعندما يحضر في المديح يصبُّ طاقته الشعرية؛ لأنه الموضوع الذي يُمتحن فيه الشاعر. وفي خصائص شعره ما تجده في شعر أبي تمام من استعانة بالبديع، والجناس، والطباق، والمقابلة، والتلميح، والإكثار مِن التشبيهات، والاستعارات، والكنايات، بالإضافة إلى أنَّه يعتمد على الأفكار ويتعمق فيها ويستنبط ألواناً يرتاح لها العقل، كما يظهر عنده التعقيد اللفظي والميل إلى الغريب مِن المعاني، ففي نصه (فتنة الحفل) يجد القارئ كمًّا هائلًا مِن الطباق، ومن ذلك قوله: “ارجفي كنك الماء فززته حجره و اثبتي كنك الفضة بعين البخيل و انحني مثل غصن في طرفه ثمره و اوقفي مثل فزعات بدوي أصيل و الفحي علمينا كيف تقدر مرة تزرع الليل صبح و تزرع الصبح ليل في عيونك سواد يستحيل آخره كامنٍ في بياضٍ أوله يستحيل”. فهو يشغل الساحة الشعبية ويربك الشعر، ومن وجهة نظري أنَّه (قبلة الشعر) ولعافت حضورٌ مختلف لم أجد أبلغ تعريف للشعر مِن بيت له عندما قال: و”لين استراحت على غصني طيور أربعة الوزن والقاف والمعنى وروح القصيد”.