من لم يزر مدائن صالح فكأنه لم يزر ، وكما يقال (ليس من رأى كمن سمع) ففي محافظة العلا كنوز تراثية متجذرة مع أعماق التاريخ ، ومتحف مفتوح يروي للأجيال أحقابا ثرية بالآثار العظيمة ، تتحدث بما تعجز عن وصفه الكتب والمؤرخون من رصيد ومخزون حضاري ، يشرع أبوابه اليوم لعشاق السياحة التاريخية في العالم عبر المشروع الوطني لتطوير العلا ومنطقة آثارها الشاهدة على التاريخ العريق للمملكة ، مثلما هي في حاضرها الزاهر بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين – حفظهما الله – تعزز دورها كنقطة ارتكاز لثقافة وقيم التواصل الحضاري في عالمنا المعاصر. تزهو محافظة العلا التابعة لمنطقة المدينةالمنورة بمواقعها الأثرية ومعالمها التاريخية بالغة القيمة والأهمية على خارطة السياحة التراثية، وجعلتها محطّ أنظار المهتمين بحفظ التراث ، خاصة مدائن صالح التي تعد من أهم آثار العالم القديم ، حيث تحكي مواقعها وواجهاتها الصخرية العملاقة المنحوتة بدقة، تاريخَها العريق وثقافتها الغنية وإرثها القديم ، الشاهد على الأجيال والحضارات التي تعاقبت عليها. وتحتضن العلا كنوزا أثرية عظيمة ومناظر خلابة للصحراء وتشكيلات صخرية مميزة، وتمثل موقعا متقدما في حضارات وآثار منطقة الشرق الأوسط ، حيث ترتبط بالحضارتين اللحيانية والنبطية خلال الألفية الأولى قبل الميلاد ، وتعدّ من عجائب العالم العربي القديم وسميت قديمًا بالحجرة؛ حيث كانت تمثل العاصمة الجنوبية لمملكة الأنباط بينما تمثل بترا العاصمة الشمالية ، وتضم آثارًا تعود إلى الحضارة النبطية ويعود تاريخ ظهورها إلى 4000 سنة، من أشهرها البيوت التي حفرت في الصخور. وقد جاء المرسوم الملكي بإنشاء الهيئة الملكية لمحافظة العلا برئاسة سمو ولي العهد ، للعمل على الاستفادة القصوى من هذه المواقع التراثية، وتماشياً مع رؤية 2030، لتطوير المحافظة على نحو يتناسب مع قيمتها التاريخية، ومقوماتها الطبيعية. في محافظة العلا تأكيداً لأهمية المحافظة التاريخية على هذه المنطقة، التي من أهم مواقع التراث الثقافي والحضاري عبر التاريخ في المملكة، وتحوي آثارًا عظيمة كآثار قوم ثمود ومدائن صالح والحجر، وهي مدينة سياحية متكاملة. تطوير ثقافي وتراثي وسياحي وخلال زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع لفرنسا، تم توقيع مشروع تطوير منطقة العلا الأثرية، والتي تغطي نحو (22500) كيلو متر مربع وجرت مراسم توقيع الاتفاقية في العاصمة الفرنسية بحضور ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ، وقام بتوقيع الاتفاقية من جانب الهيئة الملكية لمحافظة العلا محافظها الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود ومن جانب فرنسا وزير خارجيتها جون ايف لودريان ، وتشمل العمل على المشاركة في وضع التصورات المستقبلية لمشروع تطوير ثقافي وتراثي وسياحي طويل الأمد، لحماية وتطوير المواقع التراثية والتاريخية لمحافظة العلا ، تحقيقاً للتحول المستدام في المحافظة لتمكين الزوار المحليين والإقليميين والدوليين من التعرف على ثراء إرثها الثقافي والتاريخي والطبيعي وإرث المملكة بشكل عام، وعلى الحضارات العربية والقيم المحلية تماشياً مع أهداف رؤية 2030 الرامية إلى دعم جهود بناء اقتصاد مزدهر ، كذلك توقيع مذكرة تفاهم مع معهد العالم العربي لإقامة وتنظيم معرض زائر العام القادم 2019 حول محافظة العلا ينعقد بمقر المعهد في باريس حيث ستحظى العاصمة الفرنسية بقصب السبق عالمياً في عرض الكنوز التراثية والثقافية للعلا واستعراض مراحل التاريخ العريق للمحافظة من الآف السنين وحتى هذه اللحظة التي تشهد تنفيذ مشاريع متنوعة وجديدة في المحافظة. وتواصل الهيئة الملكية وضع الخطط المستقبلية والاستراتيجية لتطوير وتنمية المحافظة وتوظيف إمكاناتها الطبيعية والتراثية سياحياً من خلال العمل مع العديد من الشركاء والمؤسسات والجامعات من مختلف أنحاء العالم حيث تنفذ الهيئة حالياً برنامج المسح الأثري والتراثي بالشراكة مع جامعات متميزة من المملكة المتحدة وأستراليا بالإضافة للعمل مع فريق من المستشارين المتخصصين من الولاياتالمتحدةالأمريكية وإيطاليا والعديد من بيوت الخبرة المتميزة ، وتقوم الوكالة الفرنسية للتطوير والتنقيب بالتعاون في مجال الحفريات الأثرية وتطوير المفاهيم المتعلقة بالمتاحف ، وذلك بهدف منح مشروعات مربحة في مجال البنية الأساسية وإقامة فنادق وباستخدام أحدث تكنولوجيا فرنسية. الخطط والجذب السياحي وعملت الهيئة الملكية لمحافظة العلا منذ الوهلة الأولى على وضع الخطط المستقبلية والاستراتيجية لتطوير وتنمية المحافظة، وتوظيف إمكانتها الطبيعية والتراثية سياحياً؛ إذ تعمل الهيئة مع العديد من الشركاء والمؤسسات والجامعات من مختلف أنحاء العالم ، ولهذا الغرض، تنفذ الهيئة برنامج المسح الأثري والتراثي بالشراكة مع جامعات متميزة من المملكة المتحدة وأستراليا، بالإضافة للعمل مع فريق من المستشارين المتخصصين من الولاياتالمتحدةالأمريكية وإيطاليا والعديد من بيوت الخبرة المتميزة. ويتوقع أن يصل حجم الاستثمارات في مشروع تطوير محافظة العلا بحلول العام 2020 إلى 2.6 مليار ريال، فضلاً عن استقبال 400 ألف سائح سنوياً، وتوفير 4200 وظيفة للشباب السعودي، مع بناء 1878 غرفة فندقية في الموقع حسبما ذكرت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في تقرير لها. ووفقًا لرويترز فإن الهدف هو جذب ما بين 1.5 و2.5 مليون سائح سنويًّا ، حيث استقطبت المنطقة -خلال عام 2016م- أكثر من 160 ألف سائح، بزيادة 10 آلاف سائح عن عام 2015م، ومن المتوقع تنامي هذه الأرقام في الأعوام القليلة المقبلة مع البدء في إنشاء مشاريع تراثية وسياحية في العلا باستثمارات ضخمة لزيادة القدرة الاستيعابية للمواقع الأثرية ، وهو ما يعني إضافة إلى الناتج المحلي، وتنويعًا لمصادر الدخل المملكة، الأمر الذي يصبُّ في إطار تحقيق أهداف رؤية المملكة التي أقرت تسجيل المزيد من المواقع التراثية في المملكة في قائمة التراث العالمي، وسيتمكن الجميع من الوصول إليها بوصفها شاهدًا على إرثنا العريق، والموقع البارز لبلادنا على خريطة الحضارة الإنسانية. وسبق أن كشف محافظ الهيئة الملكية لمحافظة العلا الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان عن إطلاق 5 مبادرات تنموية جديدة في المحافظة ضمن باكورة مشاريع الهيئة لدعم طموحاتها وتطلعاتها للنهوض بالمحافظة التي تمتلك مقومات تراثية وزراعية وثقافية وحضارية وطبيعية ستضعها على خارطة السياحة العالمية. يتقدم تلك المبادرات تدشين برنامج حماية والذي يهدف إلى توفير 2500 فرصة عمل جزئي في مجالات حماية التراث الطبيعي والإنساني والثقافي، ويليه برنامج ابتعاث دولي (المرحلة الثانية) والذي يهدف إلى تعزيز قدرات أبناء المحافظة للمساهمة الفعالة في مستقبل العلا ويقدم في مرحلته الثانية 300 فرصة ابتعاث إضافية على ان ينطلق في ربيع الأول من عام 1440ه. وتتوزع تلك الفرص ما بين الماجستير والبكالوريوس والدبلوم. أما ثالث تلك المبادرات فيتمثل في تطوير البنية التحتية للاتصالات والذي يهدف إلى تحسين شبكة الاتصالات وتوسيع نطاق التغطية. وتتمثل المبادرة الرابعة في إنشاء مجلس للأعيان بهدف إشراك المجتمع المحلي في عملية التنمية إعطاء الأولوية لمصالح المجتمع المحلي يجتمع بشكل ربع سنوي. ويتيح المجلس تواصل مفتوح مع المجتمع كما يتيح الفرصة لقيادات المجتمع لطرح آرائهم في تطوير البنية التحتية المحلية مع إعطاء الأولوية لمصالح المجتمع المحلي. وتتمثل المبادرة الخامسة في اعلان إنشاء مركز للتأهيل الشامل يهدف إلى دعم ذوي الهمم بمرافق جديدة وخبرات عالمية ودعم متطلبات الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة الجسدية والذهنية. متحف العلا يضم متحف العلا العديد من القاعات التي تحكي تاريخ منطقة العلا منذ العصر الحجري مرورا بفترة ما قبل الإسلام، والعصر الإسلامي، وجناح توحيد المملكة، ويتحدث عن بداية الدولة السعودية الأولى إلى عصرنا الحاضر، وذلك بعرض لوحات وصور وأفلام عن فترات الدولة السعودية بالإضافة إلى مجموعة مختارة من القطع الأثرية النادرة والمخطوطات والخرائط والمجسمات لبعض معالم مدائن صالح. وكذلك قاعات العروض المتحفية وتشمل (معامل المساحة والرسم – معامل التصوير – معامل الترميم والمختبر – قاعة العرض التلفزيوني) والمكتبة التي تحتوي على مجموعة من الكتب المتخصصة بالإضافة إلى بعض الدوريات والنشرات).