لم يكن يخطر في بالهم أن الأبواب ستُشرع يوماً على مصراعيها معلنة وقت الرحيل، وأنهم سيرغمون على مواجهة العالم الخارجي، وأنهم لا خيار لهم من ترك ذاك المكان خلفهم.. بعد أن كانت تضمهم حيطانه الآمنة داخل سربه الدافئ، لم يتّأَهبوا للموقف فاستمروا على سليقتهم.. لم يتلونوا، فلا داعي لتلك الألوان مادام كل فرد منهم يقابل الآخر بوجهه الطلق، ولم أكن أدرك بدوري أنه سيأتي اليوم الذي لن أجد فيه مكاناً أمر عليه محملة بحزني ويأسي ، ثم أخرج منه بفائض من السعادة، كما أفعل حيناً بعد حين.. لكل أمر نهاية، حقيقة لا نفر منها.. إلا أننا دائما نبحث عن حلقات إضافية تطيل عمر المسلسل؛ حتى نبتعد عن النهاية، فلا نكون من ضمن الحضور عندما تأتي اللحظة، وهي ستأتي لا محالة.. تماماً كسرب فراشات اعتاد على حقل غني بما لذ وطاب، سكنوه واستأنسوا بمن فيه وبادلوهم سكانه الأنس.. ففي القلب مساحة تكبر مع من تألفه.. في كل عام.. تخرج مجموعة من الفراشات تقابل العالم، تحمل سعادة الإنجاز وإصرار التقدم، لتأتي يرقات جديدة تبدأ المسير.. لكن الوصل يبقى لا ينقطع، فبين وقت وآخر كلما شعرت واحدة من تلك الفراشات أنها اشتاقت للحقل تعود إليه سريعاً.. لعله حان الوقت لتحلق الفراشات في حقول أخرى، تنشر جمالاً لم يؤت لغيرها.. و أن تتغير وتقوى، فتترك صفات الفراش وتصبح طيور وديعة كانت أو جارحة، تقابل محيطها الجديد، وهي تحمل قوة في الداخل زُرعت على مر السنين، وثُقلت بكبوات العمر، لتستعد وهي تجابه الجهة المقابلة من العالم.. قد لا توجد حقول أخرى مزهرة وغنية بالثمار دون أن تغشاها الآفات، في نظر الفراشات لا يمكن أن تكون هناك أي منها، يكفي أنها لن تحوي نفس الصويحبات، وفي هذه الغربة ما يكفي حتى يلقى الفراش حتفه دون أن يلمس الضوء.. لا تبتأسي، ففي كل حقل هناك مكان يصلح للعيش، فيه الدفيء والألفة، وتزهر فيه الثمار الطيبة، ويرتاده أصدقاء حقيقيون، قد يكون بجانب النهر، أو على سفح تل، أو داخل كوخ خشبي بني بقلوب مليئة بالخير، حتماً هناك مكان ما على كوكب الأرض، يصلح للعيش دون أن تحتاجي لإظهار مخالبك والكشف عن أنيابك. للتواصل على تويتر وفيس بوكeman yahya bajunaid