عندما أعلن عن تأسيس الجمعية الوطنية للمتقاعدين (ظن المتقاعدون بأنفسهم خيراً) وقامت المنابر تهلل لهذه الانطلاقة الجديدة في حياة كل متقاعد ومتقاعدة وصدح الكتاب يصفون الغد المشرق الذي ينتظر المتقاعدين بعد عقود من النسيان والتجاهل وانبرى المتسلقون كعادتهم يعدون العدة للوصول على أكتاف المتقاعدين التي تحللت من عبء الوظيفة أملاً في راحة قليلة يخلدون إليها قبل نهاية الرحلة. في وسط هذا الزخم الإعلامي دعينا إلى اجتماع ضم أطيافاً من المتقاعدين لإعلان فرحتنا بالجمعية التي سيكون لنا فيها نادياً اجتماعياً نمارس فيه الرياضة والقراءة والسباحة وركوب الخيل ( لا أظن أن الرماية كانت جزءاً من اهتمامنا فلقد استبدلناها بالجلوس وتبادل القصص والذكريات ) أذكر أننا احتفلنا في مقر الجمعية وهو مكتب وعدنا به الشيخ صالح التركي من مكاتب الغرفة التجارية والصناعية بجدة وأوفى بوعده، احتفلنا فيه ذات صباح بحصول عضوة الجمعية الدكتورة زهرة المعبي على درجة الدكتوراه بعد حصولها على التقاعد وكان احتفالاً صغيراً حمل فيه لنا ساعي المكتب أطباق الفول من القسم النسائي وهو الوجبة الرئيسية في احتفالنا بعزيمة عضوة الجمعية وطموحها وهي التي صنعت هذا الفول في بيتها والذي التهمه الحضور بالزيت والسمن حيث وفرت الدكتورة مشكورة الاختيارين للجميع. وبعد حفل الفول هذا شمرنا عن سواعدنا للعمل وكان أول الغيث خارطة أحضرها أحدنا لموقع أرض كبيرة في موقع مرموق قيل لنا إن البلدية وعدت بمنحنا إياه لبناء المركز الاجتماعي واستعرضنا كيف سيكون عليه حال هذا المركز الذي سيضيف إلى عروس البحر معلماً حضارياً يؤكد أن مدينتنا من ( أول المدن في العالم التي تمنح لمتقاعديها هذه المساحة وهذه التسهيلات ) وحفظاً للملكية الفكرية فهذه ليست عبارتي ولكنها عبارة قرأها المتقاعدون فيما قرؤوا من تجليات الكتاب السالفي الذكر. قال أحد الحضور : يجب أن نتأكد من وجود مدخل للمتقاعدات في المركز موضوع الاجتماع منفصلاً عن مدخل المتقاعدين حتى درءاً للاختلاط. وقال آخر : لا يجوز بناء حوض للسباحة جهة المتقاعدات درءاً للمفاسد كما قال متقاعد حريص : يجب تقنيين أنواع الرياضة التي يوفرها المركز للمتقاعدات، انفض الاجتماع وقد حمل صاحبنا الخريطة بالتعديلات التي تواصى بها المجتمعون لإبلاغ الأمانة بما وصلنا إليه. وكان الحفل السنوي الأول والذي احتجنا فيه لبعض المعونة المالية البسيطة وقلنا إن الأمر سهل جداً فلنطرق باب البنك الذي كان لزاماً وقتها على كل المتقاعدين التعامل معه دون غيره متأكدين أن ما يحققه البنك من تحويل رواتب مئات الألوف من المتقاعدين سيجعل أمر دفع تكلفة الحفل قراراً يمكن أن يعتمده أصغر موظف في الفرع ناهيك عن المدير لم ندرك أنها من أكثر المهام التي أنيطت بنا قسوة حتى أن زميلي تنازل عن طلب تمويل العشاء إلى توزيع حبات البسكويت على الحضور وأضفت لمدير الفرع أن يمكن للبنك أن يكتب على كل قطعة بسكويت ( البسكويت برعاية البنك أو أن يرسم شعاره عليه ) إلا أنه رفض هذه الفرصة الإعلانية بدعوى أنه لا توجد ميزانية لهذا البسكويت الحاف ولكن هالني وهال إدارة الفرع جميعاً أن البنك الطيب الذكر أرسل جيشاً من الموظفين والموظفات ليلة الحفل يبيعون بطاقات الإئتمان على الطريقة الإسلامية يمرون بين صفوف المتقاعدات والمتقاعدين يشرحون ميزات البطاقة مع ورقة محبرة بأختام اللجنة الشرعية في البنك عليها توقيع أصحاب الفضيلة من شيوخ الفضائيات غير أبهين حتى ببرنامج الحفل كيف لا فلقد وضع البنك عمولة سخية لمن يجلب أكبر عدد من المتقاعدين إلى فخ البطاقة ويجعلهم مدينين للبنك طيلة السنوات الباقية من العمر ومنذ يومين دعاني الزميل صالح الدهيثم لزيارته في فرع الجمعية بجدة للمشاركة في تنظيم حفل فرع الجمعية بمناسبة مرور عشر سنوات على تأسيسه. وكأن السنوات العشر مرت في أسابيع تذكرت مع صالح فول الدكتورة زهرة المعبي والخريطة التي تحوي قسمي المتقاعدات والمتقاعدين والتي كان أخر تعديل فيها هو إنشاء مقلط رجال ومقلط حريم. كما سألته عن الوعود بالمساكن الميسرة الدفع للمتقاعدين وعن تخفيضات الشركات وعن المركز الاجتماعي الذي سمعنا أنه سيكون نموذجاً ترفيهياً لكل المتقاعدين يبنى في كل المدن. نظر إلي في صمت المهندس المتقاعد صالح مدير فرع الجمعية حالياً فهمت من نظرته وصمته أن الإنجاز الوحيد الذي تحقق هو فول الدكتورة زهرة ومكتب الغرفة التجارية الصناعية وعلمي وسلامتكم