لم أتخيل ولو للحظة أن يأتى يوم وأكتب مقالاً كهذا، لطالما كان داخلى إعتقاد بأنك ستكون معى للأبد يا أبى، لم يخطر على بالى ولو لحظة أنك ستتوفى وتتركنى وترحل وأحرم منك للأبد عامٌ مضى يا أبى ومازلت أتجرع مرارة فقدانك كل لحظة، لا يوجد على وجه الأرض ساعة عشت تفاصيلها بألم أكثر من الساعة التى رحلت فيها عن عالمنا، مضى عام وكأنه ساعات على رحيلك، كم إشتقت إليك ولحديثك ولضحكاتك ينتابنى حزنٌ عميق ليس له نهاية على رحيلك يا أبى، داخلى جرح لا يبرأ ابداً مهما طال بى الزمن، لم أعرف طريقاً للأمان منذ رحيلك، تعرضت من بعدك لأبشع أنواع الحزن والظلم والكذب والخداع، وكأن الحياة دون سابق إنذار نظمت ضدى لحنٌ حزين للغاية أعيش تفاصيله كل يوم، رحل من كان لى السند والأمان من الخوف، أصبحت وكأننى عارية فى منتصف الطريق، مفتقدة للوطن، أشعر بالغربة وأنا بين أحبابى، أشعر بالوحدة وأنا حولى الجميع، أصبحت متعبة للغاية لكننى مجبرة على الوقوف طوال حياتى دون الإستنداد على حائط كم أتمنى لو أراك ولو لدقيقة واحدة فقط، لأخبرك كم أحبك وكم أفتقدك وكم أشتاق إليك، أكتب الأن إليك يا أبى ودموعى لا تتوقف حزناً على فراقك الذى أوجعنى كثيراً ومزق قلبى رحلت فى ليلة مشؤومة بعد أن أنهك جسدك الطاهر المرض، كم كنت أتمنى لو يستجب الله لدعواتى وتتحقق معجزة شفاءك من مرضك الذى فتك بك فى فترة قصيرة للغاية لم تمهلنى حتى أشبع من تفاصيلك، كلما تذكرت أنك الأن نائم داخل قبرٌ صغير يحوى جسدك المنهك بكيت كثيراً وتمنيت لو أننى مكانك مازلت أذكر تفاصيل أخر يومين فى حياتك عندما كنت لا تستطيع النوم بسبب شعورك بالإختناق وتألمك الشديد، حتى أتى يوم رحيلك لتتركنى وحيدة من دونك للأبد، لم أجد من يعوضنى حنانك يا أبى، لم أشعر بالأمان منذ رحيلك، لا أشعر سوى بالخوف من كل شيئ والرعب مما هو قادم، من سيطمئنى من بعدك، من سيشفى جروحى، من سيخفف آلامى، من سيوقظنى لأشاركه صلاة الفجر، من سيبكى فرحاً عندما أتزوج، من سيحلم بأن يحمل بين يديه أطفالى، من سأنام وأنا مطمئنة أنه بجوارى أتمنى لو أعلم كيف هو حالك الأن حتى وإن كان لدقيقة واحدة فى أحلامى، أرجوا أن تكون الأن آمن مطمئن النفس، لا تشعر بالألم أو الإختناق كما كنت تعانى فى الدنيا، أتمنى أن تكون سعيداً فرحاً مستمتعاً بحياتك الجديدة بجوار ربك يا قطعة من القلب فارقتنى كلما قست علىّ الأيام هربت بذاكرتى لأيامى معك عندما كنت طفلة، لا أذكر أننى نمت فى يوم من الأيام وأنا أشعر بالحرمان من شيئ أو أننى تألمت ولم تشعر بى، لم أنسى كيف كنت تشقى وتجتهد وتكد لتشعرنى وإخوتى وأمى بالراحة عامٌ مضى ومازال الغرباء يبكون لرحيلك فكيف بدموعى ستهدأ وأنا من تربيت على يديك وقلبك الطاهر النقى الذى لم يعرف الحقد أو الغل يوم، رحلت من الدنيا لكنك لم ترحل من قلبى أتمنى أن تسامحنى على دموعى التى لا تنطفئ منذ رحيلك وتؤرقك فى قبرك لكنى ليس لى سلطه على الحزن الذى سكن ملامحى حتى أخر عمرى، مهما كتبت من كلمات لن أستطيع أن أوفيك ما تستحق يا من أفنىّ عمره وحياته لأجل إسعادنا وسهر الليالى على راحتنا يا من كان يتألم قبل أن نبكى يا من لم يسمح للحزن أو الخوف أن يخترقنا طوال حياته يا حبى الأول والأخير، يا أصدق واوفىّ وأطهر قلب عرفه تاريخ الإنسانية، يا رجلاً لم ولن يأتى مثله رجل فى حياتى من جديد، أشتقت إليك كثيراً ولصوتك الحنون وهو يرتل قرآن الفجر لا أقوى على الكتابة بسبب دموعى التى أغرقت أوراقى فأنا لم أتخيل أن يأتى يوماً كهذا، لكننى على يقين أن من تجرع من تلك الكأس المره سيشعر بما أقول أبى الحبيب اليوم هو ذكرى وفاتك الأولى، أول خطوة فى رحلتى الطويلة الشاقة الحزينة جداً بدونك والتى ليس لها نهاية، لكننى على يقين أن الله سيجمعنى بك على ضفاف الجنة حيث تجد راحتك التى لم تجدها فى الدنيا أبى الشهيد.. اسأل الله أن يرحمك رحمة واسعة ويجزاك خير الجزاء على ما قدمته وزرعته داخلى أنا وإخوتى من قيم وأخلاقيات جعلت منا أشخاص صالحين بالمجتمع، ولتطمئن فى قبرك أننا سنزرعها فى أبنائنا مستقبلاً كما تمنيت، أعدك يا أبى أننى سأظل فتاتك التى كنت دائماً تنظر إليها نظرة رضا وفخر، وسأظل أتبع نهجك الذى علمتنى إياه فى دينى ودنيتى حتى أقابلك فى الجنة، لتظل تشعر بنفس الفخر الذى كنت تشعر به فى الدنيا اسأل الله أن يجعل كل لحظة تألمت وشعرت فيها بالمرض فى ميزان حسناتك، وأن يجزاك خير الجزاء على كل ما قدمته للإسلام والمسلمين، وأن ينالك أضعاف الدعوات الصادقة التى تنهال على قبرك يومياً ممن تألموا كثيراً لرحيلك إستودعتك الله يا أبى فى جنات الخلد آمن مطمئن مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ....