أيام زمان كان كل معلم صاحب صنعة يتأكد من جودة عمله قبل أن يخرج للزبون. دافعهم في ذلك الحفاظ على سمعتهم. وبالطبع كان لكل مهنة شيخ هو الحكم النهائي إذا احتاج الأمر لكن المعلم المحترم يضبط جودة عمله بنفسه وقد كانوا في منتهى الصرامة مع صبيانهم (عمالهم) في موضوع الجودة لأن العمل في النهاية باسم المعلم فيقال شغل المعلم فلان.صاحب قصتنا كان يتيماً أتت به والدته إلى معلم نجار وكان في الخامسة من عمره تقريباً وقالت للمعلم خذ هذا الولد وعلمه. ألحقه المعلم بورشة النجارة وظل يعمل ويتعلم بها لمدة عشر سنوات كان في خلالها مساعد صبي لايعهد له بعمل ينفذ وحده إنما يساعد هذا أو ذاك في أعمالهم ويتعلم منهم.بعد مرور عشر سنوات، ناداه المعلم و عهد إليه بأول عمل يكون فيه الأسطى أو المنفذ الرئيسي وكان المشروع تصنيع غطاء زير. يقول بطل قصتنا (العم أحمد شوشة رحمه الله) لم تسعني الدنيا من الفرح. المعلم يعطيني شغل لوحدي. ذلك يعني أنه راض عن عملي وأنه أصبح يثق بي وهي شهادة لي أني تعلمت. يقول بطلنا، وأخذت أعمل بجد واجتهاد لمدة أسبوعين ووضعت كل ما تعلمته في ذلك الغطاء إلى أن تم العمل. بعدها وكالعادة، أخذت عملي ووضعته بين يدي معلمي ليجيزه لي. أخذ المعلم الغطاء ونظر إليّ بامتعاض وقلّب الغطاء وتفحصه وأنا أنتظر النتيجة. فوجئت -قالها العم أحمد- بالمعلم يصفعني بذلك الغطاء الخشبي على وجهي وأصبحت أنزف دماً من أنفي وجبيني والمعلم يقول هل تريد الزبون يأتي بعد سنة يشتكي أن الغطاء بدأ يتخلع. هكذا كان ضبط الجودة فلا مجال لهدر المال ولا مجال للتلاعب بالسمعة. وقد أخبرني العم أحمد أنه سأل معلمه بعد زمن طويل من تلك الحادثة، هل كان ذلك الغطاء سيئاً؟ فقال له المعلم، على العكس تماماً، قد كان عملك ممتازاً ولكني رأيتك مزهواً ومغتراً بعملك فأردت أن اردعك. وهكذا كان ضبط النفوس والأخلاق. رحم الله العم أحمد شوشة والمسلمين أجمعين.