نحتاج في حياتنا الى ممارسة الترشيد بمفهومه حتى في المناسبات، وما اكثر ما تكشفه حياتنا اليومية ومناسباتنا من غياب ثقافة الترشيد وحسن التدبير، خاصة في ظل الغلاء الحاصل لكافة السلع والخدمات وقد اصبح السوق يأخذ ما يريده من جيوب المستهلكين دون معنى ولا جهد لمفهوم حماية المستهلك واجهزتها وتطبيق انظمتها. لقد عشنا على مظاهر الاستهلاك سنوات طويلة، واصبح الاستيراد اسهل من الانتاج والشراء عادة وهواية وادمان، وتبدل غير الضروري ليصبح من الضرورات، ومثل هذه السلوكيات الاستهلاكية هي في الاساس ثقافة اتكالية تفقدنا قيمة الاشياء ليس المال فقط انما قيمة ما لدينا وما في ايدينا من نعم الوقت والصحة ما يعين على العبادة والعمل والاجتهاد، وما اكثر ما يستنزفنا من مظاهر عادات خاطئة. قال تعالى: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين) هذا في الطعام وايضا يعنينا في ادمان الشراء من الاسواق والمولات التي لا يوجد حي الا وبه عدد غير قليل منها، وتستنزفنا المنظاهر في المناسبات والعزومات والافراح وشراء كماليات لا تلزم، ولو بحثنا عن ارقام مبيعاتها لوجدناها بالمليارات لان عادة الشراء جعلت من مجتمعنا الاكثر استهلاكا، ونفتخر بذلك وكأنه مظهر تحضر ورخاء، فاصبحت بعض رؤوس الاموال تبحث عن الارباح السريعة بالاستيراد حتى باتت اسواقنا مفتوحة لكل مصانع العالم الجيد منها وغير الجيد، بينما الانتاج يفيد بلادنا وتشغيل ابنائنا. المجتمع منذ زمن مدعو لممارسة ثقافة استهلاكية صحيحة، وان نجعل من الترشيد اولوية اهتماماتنا لرفع وعي المستهلك بعادات وقرارات ايجابية، وعلى الاسرة ان تبدأ بنفسها وهي بذلك تربي النشء على التوازن والحياة المستقرة وليس (اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب) وان نستعد لتحولات اقتصادية يعاني منها العالم، خصوصاً في ما يتعلق بالارتفاع في الاسعار. إن الاستهلاك وسيلة وليس غاية، والاسراف مذموم عندما يصبح غاية، وللاسف توالت اجيال على اسراف اهدر الكثير ويشهد عليه حجم نفاقنا وزيادة النفايات حتى باتت عبئا بيئياً، والأصعب من ذلك تشوه القيم الاجتماعية امام طوفان الاستهلاك وضعفت صلات الشعور المجتمعي تجاه غير القادرين، بينما في الماضي البعيد كان المجتمع كالجسد الواحد، الجار يشعر بجاره وباقاربه، واليوم يتفاخر ذي سعة على جاره وعلى اقاربه. ثقافة الترشيد ان لم نحرص عليها سنضطر اليها رغما عنا كاخر الدواء لمن اسرف كثيراً ولم ينتبه لمتغيرات الحياة التي طالت الدنيا كلها، فالوعي ليس محاضرات وشعارات وكلمات تتلى انما هو ممارسة ويقين وقناعة، والجميع مسؤول عنها لمقاومة اغراءات السوق والدعايات لمنتجات العالم التي تغرق اسواقنا من الاطعمة الى التجميل، وابتكارات لا تترك فرصة لاحد خاصة الاجيال الجديدة حتى يبني قناعته في قرارات سليمة للشراء وضبط الاستهلاك الذي فيه طاعة وعبادة عندما لا يتحول الى اثم الاسراف وقد قال الفاروق رضي الله عنه: (اياكم والبطنة في الطعام والشراب فانها مفسدة للجسد مورثة للسقم ومكسلة عن الصلاة). إذا ركزنا على الترشيد المعتدل فانه يعني تدبيرا للحياة واسباب الامان الاقتصادي للافراد وللمجتمع ولبلادنا، واذا عززنا ذلك بالوعي الاستهلاكي اليومي فان تكلفة المعيشة ستكون ايسر وأقل عبئا، وهذا ما يجب ان نحرص عليه ونتهيأ لعالم ملئ بالازمات والله ولي التوفيق. للتواصل/ 6930973