الهجرة النبوية قبل اكثر من اربعة عشر قرنا، اعظم حدث حول مجرى التاريخ ليضيء مساء الحياة ويصوب ومناهجها ويخرجها من ظلمات الباطل الى نور الحق بتوحيد رب العالمين، فكانت اثارا جليلة على المسلمين، وادركتها البشرية في كل عصر فدخلوا في دين الله افواجا، وتتكون امة عظيمة قدمت في عصور نهضتها حضارة انسانية في العلوم والاخلاق والبناء، واستقى منها العالم الكثير، ولا تزال شواهد تلك الحضارة ماثلة تشهد بعظمة الدين الحنيف الذي قدم للبشرية بمختلف ألوانها واجناسها وألسنتها اسمى القواعد الروحية والمادية في كل زمان ومكان كلما تمسك بها. فالهجرة النبوية لم تكن انتقالاً مادياً جغرافياً فحسب، انما ايضا معنويا لارساء منهج قويم للحياة بكافة تفاصيلها من العبادات والمعاملات والحقوق والواجبات والاخلاق شمائل الصدق، والامانة، والابتعاد عن الغيبة والنميمة وفحش القول وسوء الكلام، والحرص في العمل، والنزاهة، ومكارم الاخلاق التي بعث الله عليها خاتم الانبياء وسيد المرسلين، قال صلى الله عليه وسلم (انما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق) وقال صلى الله عليه وسلم "خياركم احاسنكم اخلاقا"، وقال: (ان من احبكم الي احسنكم اخلاقاً). وهكذا اتصف نبينا الكريم عليه افضل الصلاة وأتم التسليم بمكارم الاخلاق ومحاسن الصفات، كيف لا وقد كان خلقه القرآن، كما أخبرت ذلك أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، إذ بعثه الله رحمة للعالمين وقدوة للمستقيمين، بشيرا للصالحين ونذيرا للمعاندين، فقد اكتمل ادبه مع رب السموات والارض، حتى زكاه الله في كل شيء وجمع له خصال الخير في قوله تعالى (وانك لعلى خلق عظيم) وقوله سبحانه (وما ارسلناك الا رحمة للعالمين). يا من له الاخلاق ما تهوى العلا منها وما يتعشق الكبراء زانتك في الخلق العظيم شمائل يغري بهن ويولع الكرماء صلى عليك ما صحب الدجى حاد وحنت بالفلاء وجناء ان في الهجرة النبوية دروس عظيمة تناولها العلماء عبر القرون في مقدمتها ضرورة الجمع بين الاخذ بالاسباب والتوكل على الله، والصدق والاخلاص الذي يرفع شأن الاعمال الى مراتب الفلاح، ويجعل في عزم الرجل متانة فيسير حتى يبلغ الغاية، ثبات اهل الايمان في المواقف الحرجة، وذلك في جواب النبي صلى الله عليه وسلم لابي بكر رضي الله عنه لما كان في الغار (ما ظنك باثنين الله ثالثهما). بالأمس القريب كنا تستقبل العام الذي مضى، وها نحن نبدأ عاما هجرياً جديداً، الامر الذي يجب ان يجعلنا اكثر حرصاً على تغيير ومحاسبة أنفسنا وتجديدها وتنقيتها من ادرائها، بالطاعة والقروض والخيرات والعمل الجاد، ففيها الفلاح والفوز، بينما المعاصي هي الخسران المبين. قال الحسن البصري: يا ابن آدم، انما انت ايام، اذا ذهب يوم ذهب بعضك. وقال: يا ابن آدم، نهارك ضيفك فأحسن اليه، فانك ان احسنت ارتحل بحمدك، وان اسأت اليه ارتحل بذمك، وكذلك ليلتك. وقال: الدنيا ثلاثة ايام: اما الامس فقد ذهب بما فيه، واما غداً فلعلك لا تدركه، واما اليوم فلك فاعمل فيه. هكذا السلف الصالح، وهذا ما نحتاجه في عياداتنا، وحياتنا واعمالنا، اللهم اجعله عام خير وبركة علينا بمزيد من نعم الايمان والامن واحفظ بلادنا من كل مكر وشر وسوء ورد كيد الكائدين الى نحورهم. للتواصل/ 6930973