نودع عاماً هجرياً ونستقبل آخر، وتتجدد ذكرى الهجرة النبوية الشريفة من مكةالمكرمة الى المدينةالمنورة، الحدث التاريخي المبارك الذي اضاء أنواره رحمة للعالمين بالهدي الاسلامي النوراني من قيم وتعاليم سمحاء فيها صلاح الدنيا والفلاح في الاخرة بعقيدة التوحيد والعبادة الخالصة لله واحكام الشرع الحنيف الذي اقام الميزان في الارض تحت كلمة التوحيد. ومع رياحين الذكرى العظيمة، ياترى هل توقفنا وحاسبنا انفسنا، وندمنا على ما مضى وعقدنا العزم على ان نكون في قادم الايام من حياتنا افضل، فالعمر ليس لهوا في ايادينا، بل هو فرصة نتقرب فيه الى الله عز وجل ونتزود في مشوار الحياة وخير الزاد التقوى، قال الحسن البصري: ما من يوم ينشق فجره الا وينادي ابن آدم: انا خلق جديد وعلى عملك شهيد، فتزود مني فاني لا اعود الى يوم القيامة. فأين نحن اليوم من هذه الحقيقة وارصدة الماديات طغت على القيم والمبادئ وتعاليم الدين الحنيف حتى تآكلت في القلوب والنفوس الا من رحم ربي، فكم من الرجال وكم من الابناء يصلون الفجر في جماعة وكم من المسلمين يؤدون الصلوات في اوقاتها المعلومة. وكم من الناس يراقب الله ويؤدي حقه سبحانه في تعاملاتهم مع الآخرين ان كان في الاسرة او الجيران او المجتمع وفي الاسواق. مشوار العمر قصير وان طال قال تعالى (قل متاع الدنيا قليل والاخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا) وكما قال السلف الصالح، ما الدنيا الا احلام نائم وخيال زائل وسراب خادع للغافلين والعاقل من اتخذها مزرعة للاخرة، فالحقيقة التي لا مراء ولا جدال فيها ان الحياة الدنيا قنطرة عبور للحياة الباقية، ويروي لنا الاثر ان الامام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه ورضي عنه، كان يستقبل محرابه قابضا على لحيته وقد ارخى الليل ستره، وغارت نجومه، ويتململ تململ العليل، ويبكي بكاء الحزين، ويقول:" يا دنيا اليّ تعرضت، أم إليّ تشرفت؟ قد باينتك – طلقتك – ثلاثا لا رجعة لي فيك، فعمرك قصير، وشأنك حقير، وخطرك كبير، او من قلة الزاد، وبعد السفر، ومشقة الطريق". اكثر من اربعة عشر قرناً مضت، ولا تزال ذكرى واثر الهجرة النبوية الشريفة تشع بضياء الحق وتفيض بالخير، وتدخل في عام جديد لتحيي في النفوس العامرة بالايمان وقيم الخير ومعاني الصبر والطهر والنقاء وقوة الاخلاق والثقة في الله، وتظل ثلاثة عشر عاما التي عاشها المصطفى الكريم صلوات الله وسلامه عليه بعد هجرته للمدينة، وما سبقها منذ مولده المبارك صلى الله عليه وسلم، حتى زمن بعثته وثمرات الرسالة الوضاءة،هي السجل الناصح باحرف من نور لمدرسة عظيمة للاخلاق والحق والعلم والضياء، تفيض بانصع المعاني لكل صاحب بصيرة. يأتي العام الهجري الجديد ليحيي الدروس ويجدد اصالة المنهل العذب لكل فضيلة واستقامة وتراحم، ينهل منه كل ذي عقل سوي وقلب شفيف ونفس طيبة، مدرسة خالدة لمن استقى منها مشاعر المحبة وقيم الخير والتواصل الحضاري والعمل بها، واليقين بحقيقة الوجود ومعنى الحياة ورسالة الانسان، وهكذا في كل خطوة على طريق الهجرة درس وموعظة وعظة وعبرة، تصدر عن قيمة حقة وتؤسس لمبدأ انساني نبيل من التقوى والتكافل والتراحم والتعاضد وحب الوطن وحماية الاسرة والفرد والوعي والتبصر في حياتنا. فمن دروس الهجرة العظيمة التي نحتاجها اليوم حسن التوكل على الله تعالى في امورنا. قال تعالى (ومن يتق الله يجعل له مخرجا) وقال صلى الله عليه وسلم (لو انكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا وتروح بطانا) ومن دروسها هجرة المعاصي، قال صلى الله عليه وسلم (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه) كل عام وانتم بخير. للتواصل 6930973