تبنت مكتبة الملك عبدالعزيز العامة إضافة قيمة نوعية لمفهوم الأمن الفكري المعاصر، انطلاقاً من رؤيتها الإستراتيجية لدورها المحوري في رفد الحركة الثقافية والمجتمعية محلياً وإقليميًا وعالمياً. وتقوم هذه الإضافة على صيانة الموروث الثقافي وتعزيز عمقه الحضاري والوعي بأهميته وتكريس الرؤية القائمة على مبدأ الأصالة والمعاصرة بما يخدم هذا الغرض العظيم، حيث تعاطت المكتبة مع هذه المسألة من زاوية مسؤولية تحصين العقول من الأفكار الدخيلة المنحرفة المنافية لهوية الأمة وتاريخها المشرق، مستشرفة عوامل التغيير التي ترافق الآفاق المستقبلية ذات البعد الأيديولوجي المؤثر في السياق التاريخي للقيم المجتمعية. ولم تكتف مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بوضع التصورات بل بدأت ومنذ فترة مبكرة من مسيرتها في تلمس احتياجات العقل العربي الإسلامي القرائية المعرفية، فكان لمبادراتها النوعية وبرامجها المتعددة تأثير كبير في بلورة وتأطير الأفكار البناءة وتأصيل عاملي الهوية والقيم وربطها بالجانب المعرفي كحاضنة رئيسة تبرز الجانب الثقافي والفكري للأمة عبر تاريخها وإسهاماتها في خدمة البشرية جمعاء، وفق مبدأ الشراكة الإنسانية. وشكلت مكتبة الملك عبدالعزيز العامة منذ نشأتها علامة فارقة في إبراز الثقافة السعودية العربية الأصيلة، معتمدة على الحوار المعرفي كوسيلة تعريف مبدئية تستهدف الآخر المختلف، متخذة من موثوقية مصادر المعرفة قانون عمل وطاقة إيجابية متجددة تدعم رؤية المملكة 2030، فيما يتصل بالشأن الثقافي والفكري والمعرفي. ونظمت المكتبة ندوات كبرى مثل ندوة مصادر المعلومات عن العالم الإسلامي، وندوة مستقبل الثقافة العربية، ومحاضرات حول استشراف المستقبل، فضلاً عن افتتاح فرعين لها في الصين والمغرب تعود فائدتهما على الحوار المعرفي العالمي، لاسيما وأن هناك من يحاول جاهدًا قولبة الجانب الفكري والثقافي للمملكة وربطه باصطلاحات فئوية ضيقة من قبيل "الوهابية" و"السلفية" وغيرها من مسميات لا تعبر عن واقعها الحقيقي البعيد عن أي مفاهيم تتعارض مع قيم الإسلام المعتدل والثقافة العربية الأصيلة المتطلعة إلى المشاركة الحضارية القائمة على الحوار. وبالنظر إلى ما يعيشه العالم اليوم في ظل العولمة من زخم الثورة التكنولوجية في مجال المعلومات والاتصالات، وتغلغل استخدام تقنيات المعلومات والاتصال في جميع أشكال الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية، وازدياد الحاجة إلى المعلومات الصحيحة فإن إيجاد مشروعات فكرية رائدة بحجم ما قدمته مكتبة الملك عبدالعزيز العامة وتعمل على استكماله تحت ما أطلقت عليه المكتبة الرقمية العربية يعتبر إنجازًا يحتاجه الجميع أكثر من أي وقت مضى، فموثوقية مصادر المعرفة يتوجب مزيداً من البذل لتأمين المعلومات من حيث الإنتاج الدقيق وهذا ما قدمته مكتبة الملك عبدالعزيز العامة من خدمات باعتبارها كياناً ثقافياً سعوديًا بارزاً يستفيد منها الجميع سواءً في المملكة العربية السعودية أو الخليج أو الوطن العربي والإسلامي وسط ترحيب كبير من كافة المؤسسات الثقافية والعلمية والأكاديمية في الدول العربية باعتبار نجاحاتها وخبرتها في إدارة دفة الثقافة العربية عبر مشروعاتها المتنوعة دليلاً على الثقل الكبير الذي تمتلكه والتعاون الكبير الذي أنتجته بين المؤسسات العربية والعالمية في مختلف المجالات. ومكنت رؤية مكتبة الملك عبدالعزيز الشاملة للمتغيرات على الصعيد العالمي من قراءة مقتضيات المرحلة التي تستوجب تعزيز قيم الحوار الحضاري المبني على المشاركة وإيجاد نقاط الالتقاء رغم الاختلاف، إيماناً من المكتبة والقائمين عليها، بأن الرسالة الإسلامية الخالدة لم تكن في يوم من الأيام منغلقة على ذاتها، بل كانت واضحة جلية حتى للآخرين المختلفين، وأن الدين الإسلامي يحث على الانفتاح على الآخرين لإظهار ما فيه من قيم روحية وحضارية وفكرية، إلى جانب حثه على بث قيم السلام والمحبة بين الناس على اختلاف أديانهم وحضاراتهم وثقافاتهم. ويدعم محتوى المكتبة الرقمية العربية العمل على هذا المسار ويؤسس لمرحلة جديدة، تكون من خلالها المكتبة نافذة معرفية حقيقية على الموروث الثقافي العربي، ومدخلاً إلى الاطلاع والاستفادة من مخزونها الثري، لاسيما مع توافر جميع السبل والوسائل المعينة على ذلك، إضافة إلى أن تشكيل الوعي الذاتي يجعل الفرد قادراً على مواجهة الانحرافات والأفكار الفاسدة.