لم أكن أملك غير أن أبتسم أمام ما يحدث ولتزداد حيرة صديقتي التي كانت منفعلة .. أذكر أنها قالت ما أصبر قلبك إلى متى هذا الصمت ؟ لملمت حاجياتي وقبل أن أمضي .. قلت لها هل ترين الأشجار حين تتعرى في فصل الشتاء وكيف تبدو صامدة رغم برودة كل شيء .. كذلك أنا لا آسف على انصرام الأشياء ، وحين تتعرى الحقائق أزداد فهما و سخرية من واقع البعض. لم أكن ألوم صديقتي على حماسها من أجلي .. غير أنني تعلمت أن الأمور في الحياة لا تؤخذ على عجل وأن الانفعال دائما لا يخرج بنتائج مرجوة .. من هذه المواقف التي يبدو فيها الآخرون يستعظمون ذواتهم ويفردون عضلات سلطتهم وأن بيدهم هذا الورق يكتبون فيه ما يرغبون من علل وأظنها علل باطنة وليست علل يطلبها نظام العمل وميثاق المهنة الصريح .. من يخبر هؤلاء أن استتارهم خلف قناع المسؤولية لا يطول .. ثمة ما تكشفه الأيام ليكتمل الحكم الصحيح على طباع البشر الشاذة! كان صوت الضمير عاليا لا يقبل التسويف ويقتحم حصون الجبروت .. لم تكن الهيبة تتمثل في الحضور مهما حاولت ارتداء لباس التحضر والمثالية الزائفة .. وهم اعتادت أن تصوغه بعض القلوب لتخبر الحياة بحكاية ساذجة مكررة بأن الواقع أحيانا يطرق كسيف المآل من صنيع مأسوف عليه .. من أياد لم تكن تجيد غير التمسك بالقشور ومحاولة التماسك على أرض هشة لا تمنح الثبات. البعض يكسب هالته من خنوع الآخرين .. من رمق مبحوح لا يقوى على الاعتراف ! هل علينا أن نقول أن ثمة خلل موجود .. هل يمكن أن نقول أن روح الالتزام أحيانا مجهولة وأنها تظل حبيسة حتى أننا لا نتعرف عليها إلا بعد فوات الأوان! .. أخشى أننا لا نرى نور الحقيقة في تعاملاتنا مع الآخرين وفي تفاصيل الحياة ، حين تبدو ضبابية لا تشف عن نفسها تتجاذب في صراعها وحيدة وتتقازم شيئا فشيئا .. من يخبر هؤلاء أن ضيق الأفق في التفكير لا يسمح بعبور الفهم وأن هناك مبادئ مثلى تقبل الترحيل في فكر البعض لتحل محلها قناعات جديدة هي في واقعها صدئة لو سمح لنا بتجليتها ! تطل الصراحة لتقول يكفي زيفا .. يكفي لعبا .. مهلا قد لا تفهمين هذا الكم الهائل من حشد الآهات التي تصطف في حديثي غير أنني سأردد دائما .. من تجارب الحياة نصوغ الحكم الأوفر وأنها كلما كانت صعبة كلما ازددنا معرفة وقدرة على قراءة الواقع والصمود أكثر.. وحتى الابتسام والتفاؤل يبدو متواضعا أمام فكر عميق يختزل الآهات ، لا ليظهرها بل ليطويها .. ليتناساها وهو واثق من أنه لا يتراجع مهما آلت إليه الأمور.