لأصوات من نحب نبرات تتسلل إلى القلوب فتحدث فيها هزات،وارتجاجات.فكيف إن كان الصوت قادما من الغيب؟ كيف إن كان حلما،ففاجأنا القدر بتحويله إلى حقيقة. ألجمت المفاجأة شريف،وفقد القدرة على النطق بكلمة واحدة.بل الأدهى أنه أغلق الهاتف في حركة سريعة،ولا إرادية،ثم راح يضغط عليه بيده،وهو يحاول ضم ركبتيه المرتعشتين،بينما كان بصره زائغا،وفكره شاردا،كأنما به مس من الجن. أعاده إلى العالم ضوء سيارة قادمة في الاتجاه المعاكس،وهي تحاول تجاوز سيارة تسير أمامها،مما أرغم سائق التاكسي التي يستقلها أن يقوم بمناورة لتجنب الاصطدام بها. اعتدل في جلسته،وبعد أن استغفر الله،وشكره،نظر إلى الهاتف طويلا،ثم ضغط على رقمها الذي اكتشفه لأول مرة،وراح يحضنه بعينيه في حنان من يحتفل بمولود جديد أنار حياته! وجاءه مرة أخرى الصوت القادم من عالم الملائكة. -ألوووو.آسفة لو كنت أزعجتك،أو أحرجتك يا شريف.بجد آسفة،ما كنتش أعرف. -آسفة على إيه يا وفاء.ده أنا اللي آسف أني قطعت عليك من شدة المفاجأة لما سمعت صوتك. وانفجر الإثنان في ضحكة عفوية،غير أن شريف سرعان ما سكت،ليسافر فوق السحاب،على متن أجنحة فرشتها له ضحكتها ذات النبرة الطفولية الآسرة.كان صوتها وهي تضحك، سمفونية يعزفها القدر على أوتار قلبه،فيهتز راقصا على أنغامها. أحس لحظتها،أنه لو انتظر العمر كله ليسعد بتلك الضحكة،لفعل.بل إنه مستعد لاقتطاع تذكرة دائمة على أرصفة الانتظار،لينعم بها كلما أعلنت المحطات وصول قطارات الملائكة التي اقتطعت فيها مكانا،في الدرجة الأولى. كانت مكالمة سريعة،تبادلا فيها حديثا مقتضبا،انتهى بتنبيه السائق له بأنه وصل إلى وجهته. -تصبح على خير شريف. -وانت من أهل الخير وفاء. -انتبه لنفسك شريف،ربنا يحميك. اننبه لنفسك ! لا أحد اعتنى به في حياته،ودعا له إلا أبوه.لذلك هزته كلماتها،وجعلته يغلق بسرعة،كأنه يريد الاحتفاظ بدعائها لأطول زمن ممكن في أذنيه. قرع جرس الباب على استحياء،فقد نسي مفتاحه في البيت حين غير أثوابه . فتح الأب الباب،وهو يرسم على وجهه ابتسامة عريضة تعود أن يلقاه بها كلما عاد إلى البيت. سلم شريف بصوت منخفض،وهو يعتذر عن التأخر الذي حرم والده من النوم.لكن هذا الأخير أفهمه بأنه لا داع للاعتذار،وأنه من حقه أن يعيش مثل أقرانه،ويلتقي بهم ويسهر معهم،لنسيان ضغوطات العمل. وهو يتجه لغرفته،توقف قليلا ثم التفت لأبيه قائلا: أبي…أعتقدني سأحقق لك أمنيتك…لقد قررت الزواج. لم يتفاجأ الأب كثيرا،فهو بحسه الأبوي،أدرك من أيام وهو يلاحظ التغيرات الني طرأت على إبنه بأنه وقع في الحب. نظر إليه مبتسما،وقد ارتسمت على وجهه ملامح السعادة،ثم قال: -لن أسألك عنها،بل سأسألك عنك.هل تحبها يا شريف؟ طأطأ الولد رأسه ولم يجب،فتقدم الأب بخطوات،واحتضن إبنه وهو يقول: -رغم يقيني بأنه لا توجد امرأة مثل أمك،ولن بحب رجل امرأة مثلما أحببت أمك، لكنني سعيد لك يا ولدي.الوقت الأن تأخر،وستناقش فيه غدا /إن شاء الله/ ( كيف أنسي ذكرياتي وهي في قلبي حنين كيف أنسي ذكرياتي وهي في سمعي رنين كيف أنسي ذكرياتي وهي أحلام حياتي ) يتبع..