الرياض – واس منذ القدم والبحرين توصف بأنها بلد متعدد الثقافات يتمتع فيه الناس بحرية العيش والعمل في مناخ مضياف ومتسامح تسود فيه المودة والتراحم ، وتغلب عليه قيم الحوار والتعايش بين جميع الأعراق والأديان ، وهذا المناخ الحر والمنفتح كان سببا فيما تحظى به المملكة من مكانة ودور ، سواء في نفوس المقيمين فوق أرضها الطيبة من مواطنين ووافدين ، أو في محيطها الإقليمي الدولي ، حيث كانت وما زالت البحرين هي القلب لكل راغب في العيش بطمأنينة وسلام والبوتقة التي تنصهر فيها شتى الأفكار والاتجاهات . ويوجد على أرض هذا الوطن الكثير والكثير من الشواهد المادية والثقافية ، التي تدعم هذه الميزة التنافسية التي تتمتع بها المملكة مقارنة بالكثير من الدول ، حيث الأجواء الثقافية والقيمية الانفتاحية التي تمثل في ذاتها قيمة مضافة يمكن أن تستفيد بها البلاد في توجهها ناحية التنويع الاقتصادي المستدام والنمو المرتكز على الإنتاجية ، ومن هذه الشواهد الفعاليات الثقافية الدالة ، والتي ارتبط بعضها بأبرز المعالم الأثرية والتاريخية للمملكة ، وارتبط بعضها الآخر بالبرامج الثقافية المتعددة التي شهدتها البلاد خلال الأشهر القليلة الماضية ، والتي يمكن تبيان أبرزها كالتالي : * طريق الؤلؤ موقع طريق اللؤلؤ الذي يعد ثاني معالم مملكة البحرين التّراثية ، التي تدرج على قائمة التّراث العالمي لليونيسكو . وأدرج الموقع على القائمة عام 2012م ، بعد نجاح المملكة بوضع قلعة البحرين التاريخية على القائمة عام 2007م . ويمتد طريق اللّؤلؤ لمسافة 3 كيلومترات بداية من هيرات اللّؤلؤ بالقرب من قلعة بوماهر ، التي تعود إلى سنة 1840م ، وصولاً إلى بيت سيادي في قلب المحرّق ، والذي سيكون المتحف الرئيسي للّؤلؤ . ويأخذ « طريق اللّؤلؤ » الزائرين في رحلة تمتد من شاطئ بوماهر ، حيث مركز معلومات قلعة بوماهر ، ليمر بعد ذلك ببيت الغوص ، ثم بيت الجلاهمة وبيت بدر غلوم للطب الشعبي ، ثم بيت يوسف العلوي ، وبيت فخرو ، وبيت ومجلس مراد ، وبعض المحلات والعمارات في سوق القيصريّة ، كعمارة يوسف عبد الرحمن فخرو ، وراشد فخرو ، ثم بيت النّوخذة ، وأخيرا بيت ومسجد سيادي . كما يمثّل متحفاً حيّاً في الهواء الطّلق ويؤسّس لتوثيق تاريخ حقبة زمنية في مملكة البحرين كان اقتصادها يعتمد على اللّؤلؤ ، كما يوضح للزائر المسار الذي يعيشه اللّؤلؤ البحريني منذ لحظة خروجه من قاع البحر وحتى وصوله إلى الأسواق العالميّة . يروي الطريق أخباراً عن أشهر ألقاب العاملين في إنتاج اللّؤلؤ كالطواش والغوّاص والنّوخذة والسِّيب وغيرهم ، ويروي كذلك حكايات أخرى عن صور الحياة البحرينيّة القديمة . وطريق اللّؤلؤ ، هو مرآة تعكس هوية المجتمع البحريني ، ولهذه الأسباب فإن هيئة الثقافة بذلت جهودها من أجل وضع الأدوات القانونية والخطط الإداريّة التي تساعد في الحفاظ على الموقع واستمرار استفادة المجتمع المحلّي ، الذي يشكّل خط الدّفاع الأول عن تراث مملكة البحرين العريق . ومشروع " طريق اللّؤلؤ هو شاهد على اقتصاد جزيرة حاز على موافقة وتصديق لجنة التّراث العالمي في دورتها ال 36 عام 2012م في مدينة سانت بطرسبرج بالجمهورية الرّوسية ، بعد استيفائه لمتطلبات تسجيل مواقع التراث على قائمة التراث العالمي . ولهيئة البحرين للثقافة والآثار دور كبير في حماية الهوية الثقافية الوطنية وتعزيزها والتعريف بها كونها أحد مكونات الهوية الحضارية . وتسعى الهيئة إلى جعل الثقافة ركنا من أركان التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتعزيز شهرة البحرين كدولة محايدة ثقافيا تتمتع بالاحترام على الساحة الدولية وتحفيز الإبداع والابتكار في مجالات الثقافة والفنون والعلوم والتكنولوجيا والاقتصاد والإدارة والعمارة ، وتنظيم المدن ومؤسسات الدولة والمجتمع المدني وتوظيف الثقافة في خدمة الاقتصاد ، فالصناعات الثقافية والسياحة العائلية والثقافية وقطاع الفنون بلا شك مجالات يمكن أن تسهم بدور كبير في التنمية الاقتصادية ، لأنها توفر العديد من فرص العمل ، ولأن عائداتها مجزية ، كما تسهم في تدوير رؤوس الأموال المحلية . * روافد فنية وثقافية وعلى الصعيد الثقافي، استطاعت مملكة البحرين خلال العام 2016 أن تحقق الكثير من الإنجازات ومن أهمها : استضافت مملكة البحرين في يناير 2016م ، اجتماع شبكة تربويي متاحف الخليج ( GMEN ) وذلك في كل من متحف البحرين الوطني ومتحف موقع قلعة البحرين ، حيث هدف الاجتماع الذي يعقد دوريا كل ثلاثة أشهر إلى مناقشة سبل تعزيز مكانة المتاحف في الحراك الثقافي المحلي وتبادل الخبرات والمعارف في مجال العروض المتحفية والأنشطة التي تقوم به المتاحف من خلال مجموعة من ورش العمل واللقاءات والندوات . بحضور معالي الشيخة مي بنت محمد آل خليفة رئيسة هيئة الثقافة والآثار, أقام مسرح أوال في فبراير 2016 مهرجان مسرح أوال المسرحي في صالة البحرين الثقافية بمشاركة سبعة عروض محليّة وخليجيّة من دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان والمملكة العربية السعودية . تزامنا مع احتفال مملكة البحرين بيوم السياحة العربي وذلك في الخامس والعشرين من كل عام والذي أنطلق في عام 2013, استضافت هيئة الثقافة والآثار في مسرح البحرين الوطني العرض العالمي المشهور (كان يا ما كان ) لمسرح كركلّا اللبناني , من إخراج إيفان كركلا . تستعد مملكة البحرين لاستضافة العرس المسرحي الخليجي الرابع عشر ، وذلك في 24 سبتمبر و4 أكتوبر 2016م , وأكدت مديرة هيئة الثقافة والآثار الشيخة هلا بنت محمد آل خليفة خلال اجتماعها التحضيري مع اللجنة الدائمة للمسارح الأهلية برئاسة الدكتور إبراهيم غلوم , بأنها تتمنى أن يخرج المهرجان بنتائج إيجابية تسهم في إنجاح النسخة القادمة من مهرجان المسرح الخليجي . وأشارت إلى أن احتضان المملكة للمهرجان إنما يأتي تماشيا مع رؤية قادة دول مجلس التعاون الخليجي التي تضع الثقافة ضمن أولوياتها لتعزيز الهوية الوطنية ، وإيمانا من البحرين بقدرة الثقافة على صناعة الأثر الإيجابي ، موضحة أن المملكة تحتفي بمقوماتها الثقافية ضمن برنامجها الذي يأتي عام 2016 بشعار ( وجهتك البحرين ) , متأملة أن يواصل مهرجان المسرح الخليجي دوره في تفعيل الشراكة الممتدة بين كل دول مجلس التعاون الخليجي في المجالات الثقافية والفنية. يذكر أن مملكة البحرين قد شاركت في مهرجان المسرح الخليجي " 13 " الذي أقيم العام الماضي في إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة ، حيث فازت مملكة البحرين بجائزة ثاني أفضل عرض عن مسرحية ( عندما صمت عبدالله الحكواتي ) . أطلقت هيئة البحرين للثقافة والآثار جائزة تحمل اسم ( لؤلؤة البحرين ) للمرأة العربيّة ، عربون وفاء لعمل الشيخة لولوة بنت محمد بن عبدالله آل خليفة ، رائدة العمل الاجتماعي والحركة النسائية في مملكة البحرين ، والتي ستسلّم بنسختها الأولى عام 2018 مع استكمال طريق اللولو ، المدرج على لائحة التراث الإنساني العالمي لليونسكو ، أثناء معرض الكتاب بنسخته الثامنة عشرة , وذكرت معالي الشيخة مي بنت محمد آل خليفة حول الجائزة بأنه " أقل ما يمكننا القيام به تخليداً لاسمٍ ترك في القلوب والوطن مكانةً تبقى رمزاً للارتقاء الفعلي بالمجتمعات ، هو إعلان اسم جائزة تعكس ما للشيخة لولوه من أهمية في تاريخ مملكة البحرين الحديث ، وعملُ الثقافة ما هو إلا فعل المقاومة التي يعكس شخصية الشيخة باقتناعها بقضية الإنسان والإعلاء من شأنه في شتى المجالات " . وحول الجائزة أشارت " إلى أهمية اللؤلؤ في تاريخ البحرين الذي أسهم في إدراج اسم المملكة للمرة الثانية ، بعد موقع قلعة البحرين ، على لائحة اليونسكو للتراث الإنساني العالمي ، وبتاريخه الذي نفتخر به يرتبط اسم جائزة الشيخة لولوه بنت محمد بن عبدالله آل خليفة ابنة المحرّق ، التي تسلّم مع استكمال طريق اللؤلؤ في المحرق التي ستحتفل وقتها باحتفاليات عاصمة الثقافة الإسلامية 2018 " . استضافت مملكة البحرين في شهر مارس العرض المسرحي العالمي ( مسرح إيميج ) , بدعوة من هيئة الثقافة والآثار , وتأتي هذه الدعوة تأكيدا على أهمية أن تصل الثقافة إلى جميع الفئات في المجتمع البحريني ، إضافة إلى اتساق عملها مع برنامج المسؤولية المجتمعية لمهرجان ربيع الثقافة الذي يحرص في كل عام على تنفيذ برامج المسؤولية الاجتماعية وتقديم الورش التدريبية ، وقدم مسرح ( إيميج ) دمجا ما بين فنون المسرح الأسود والتمثيل الإيمائي والرقص الحديث المستند على التقاليد التشيكية العريقة , كما قدم مسرح إيميج في ختام عروضه ورش عمل شارك فيه الأطفال والحضور في تعلم بعض الأسرار المسرحية الخاصة . ضمن مهرجان ربيع الثقافة الحادي عشر في مملكة البحرين بالتعاون مع السفارة المصرية في مملكة البحرين , استضافت هيئة الثقافة والآثار في شهر مارس , العرض المصري الشهير ( الليلة الكبيرة ) ، حيث يعد هذا العرض أحد أشهر الأعمال الفنية لشاعر العامية صلاح جاهين , الذي نقل المشاهدين بطريقة شيقة وممتعة وحية إلى وسط الأحياء المصرية حيث مظاهر الاحتفالات الشعبية وما يعرف ب ( الليلة الكبيرة ) التي تصاحب موالد الأولياء المنتشرة في أنحاء مصر , هذا بالإضافة إلى اللوحات الجميلة من عروض الباليه العالمية . احتفت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ( الألكسو ) ، بتعاون مع مركز الشيخ إبراهيم بن محمد للثقافة والبحوث والمركز الإقليمي العربي للتراث العالمي في شهر مارس 2016م ، باليوم العربي للشعر الذي يحتفل به العالم العربي يوم 21 مارس من كل عام ، حيث استضافت مدينة المنامة الدورة الثانية لليوم العربي للشعر وخصصت هذه المناسبة للاحتفاء بالشاعر نزار قباني . احتفت مملكة البحرين بيوم الشعر العربي في شهر مارس 2016, بتكريم الشيخة الدكتورة سعاد الصباح بمصاحبة الفنانة اللبنانية جاهدة وهبة بمشاركة الفنانة التونسية أماني بن طارة بتقديم مجموعة من الأغنيات من أشعار الراحل نزار قباني , ويأتي هذا الحفل ضمن الموسم الثقافي لمركز الشيخ إبراهيم للثقافة والبحوث تزامنا مع فعاليات مهرجان ربيع الثقافة الحادي عشر , كما استقبل المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي اليوم الثاني لفعاليات احتفالية اليوم العربي للشعر ندوة علمية ليوم الشعر العربي حول أشعار نزار قباني ، وتقديم كتاب من إعداد باحثين متخصصين من الأردن ، مصر ، تونس ، الجزائروالبحرين . برعاية من صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء ، انطلق معرض البحرين الدولي السابع عشر للكتاب في شهر مارس 2016م في متحف البحرين الوطني ، بتنظيم من هيئة البحرين للثقافة والآثار , تحت شعار ( وجهتك البحرين ) ، وشارك في المعرض " 380 " دار نشر ومؤسسة ثقافية فكرية محلية وعربية وعالمية ، كما يوازي تلك المشاركات برنامج ثقافي برفقة المملكة الأردنية الهاشمية ضيف شرف نسخة المعرض 17، حيث العديد من المشاهد الثقافية والفكرية ، بالإضافة إلى الفعاليات التي تقدمها جهات ثقافية متعاونة ، وأنشطة تدشين الكتب وغيرها , واعترافا بالعمل الثقافي في مملكة البحرين والعالم العربي ، فإن معرض الكتاب هذا العام شهد تكريم شخصيات وأعمال ثقافية رائدة عبر ثلاث جوائز هي : جائزة البحرين للكتاب التي خصصتها هيئة البحرين للثقافة والآثار في نسختها الحالية للاحتفاء بكتاب وباحثي المملكة الأردنية الهاشمية وفلسطين تحت عنوان " الوعي أثري وذاكرة الأوطان "، جائزة محمد البنكي لشخصية العام الثقافية التي تكرم في موسمها أحد المفكرين ، الباحثين ، الأدباء أو صاحب إنجاز ثقافي ملحوظ . والجائزة الأخيرة التي أطلقت خلال معرض البحرين الدولي للكتاب ، جائزة لؤلؤ البحرين التي تخصصها هيئة البحرين للثقافة والآثار لتكريم الكتاب والباحثين في مجال خدمة وتنمية المجتمعات والارتقاء بها ، والذين تبنوا الكتابة في مواضيع تسهم في تناول قضية الإنسان وتنوير المجتمعات فكريا ، ثقافيا وحضاريا ، كما وتأتي الجائزة كعربون وفاء لعمل الشيخة لولوه بنت محمد آل خليفة ، رائدة العمل الاجتماعي في مملكة البحرين , كما تم إعلان فوز كتاب " قرية الدوايمة " لكاتبه الباحث حسن أبو صبيح بجائزة البحرين للكتاب لعام 2016م ، وكان ذلك بحضور معالي الشيخة مي بنت محمد آل خليفة رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار ، والسفير الأردني السيد محمد علي سراج ، وأعضاء لجنة تحكيم جائزة البحرين للكتاب , كما فاز أيضا بجائزة محمد البنكي لشخصية العام الروائي الكويتي سعود السنعوسي . تقديرا لجهوده والتاريخ الفني الموسيقي للفنان الموسيقي الراحل مجيد مرهون , أقامت هيئة الثقافة والآثار في شهر إبريل حفل موسيقي ضخم بعنوان ( سمفونيات الذات ) ، سلط الضوء على إرث الملحن البحريني الراحل مجيد مرهون ، من خلال عزف وعرض قامت بأدائها فرقة البحرين للموسيقى ، هذا بالإضافة إلى عروض بصرية رقمية لأعمال موسيقى مرهون من أداء حسن حجيري ، عصام " كوزمو" حماد ، و الفنان العالمي هنريك شوارز و بوجي ويسيلتوفت . ويسهم هذا المشروع في توثيق التاريخ الثقافي للبحرين ، حيث أن مؤلفات مرهون وصل صيتها لأكاديميات عالمية و عُزِفَت من قبل الأكاديمية الملكية السويدية للموسيقى ، أوركسترا الراديو الألمانية وغيرها . برعاية كريمة وسامية من لدن صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه ، أنطلق في شهر أبريل 2016م مهرجان التراث السنوي في نسخته الرابعة والعشرين ، تحت عنوان ( موجات صوتية من بحريننا ) ، وتأتي الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه لمهرجان التراث تأكيداً على أهمية التراث والهوية المحلية في الارتقاء بالمشهد الثقافي البحريني ، فقد أولى جلالته هذا المهرجان عنايته الشخصية الخاصة ، وشرّفه بالرعاية منذ انطلاقته الأولى في عام 1992، وذلك انطلاقاً من رؤية حكيمة تستثمر التراث في تعزيز المنجز الإنساني البحريني وصناعة مرتكز للانطلاق نحو آفاق المستقبل واستحضار العديد من ملامح التراث البحريني المرتبطة بمهنة صيد اللؤلؤ وما يتعلق بها من ممارسات اقتصادية واجتماعية وثقافية وغيرها من عناصر التراث غير المادي كالأغاني التقليدية والتراثية .