جلس على أطلال مدينته المنهارة هنا بنى أحلامه وهنا تورد قلبه جرة الحنين التي كان يحملها منسكبة أمامه أشعل سيجارة قلبه ونفث الآهات لملم أوراقه المبعثرة من ذاته الهاربة استجمع قواه ليقرأ الورقة الأخيرة ارحل أرجوك ! .. أغمض عينيه ولم يملك أن يتنفس شعر بالغرق .. سمع أصوات تندب حظها العاثر .. لم يملك أن يطرق ذاك الباب .. تتداعى الكلمات أمامه .. يزفه الصبر لأن يمضي وحيدا ، لم يكن الخيار سهلا .. كان يأمل أن تطل من شرفة أحلامه لترى مكوثه الطويل .. حل المساء متوشحا بالكآبة التي رآها ترجوه أن يمضي لحال سبيله .. غادر المكان .. حين رآها للمرة الأولى وقد تلفعت بخمارها الزهري تطرق بابا مغلقا استرعاه إصرارها الغريب ومحاولاتها التي لا تكل رغم أن الجفاف حينها يخيم على طرقات القلب كان الباب متهالكا صرير أناته وآهاته يسترق لحظات عشقها الغائب .. كان يراها تعيش بين حنايا القدر تزف حكايتها التي لم تحتف بها يوما ! رأى أحلامها الحبيسة تود التحرر عاد وابتسم .. سمع عزف أحلامها وتألم للحنين والأنين فيها .. شعر أنها تتفيأ ظل الحلم من هجير البعد وأنها تتلمس من طقوسها الحالمة مشاعر دفئها في زمهرير ليلها الحالك .. تأكد أنها التفتت له وأضاءت شموع ودها .. بادلها عبق الكلمات رسائلا من اشتياق .. قالت له حين تجمع أوراق الخريف اليابسة المتناثرة أمام حديقة منزلك ستجد في ذبولها بقايا عبق كان يهوى ملمس يديك .. شذى العمر يسكبه القدر في الإناء الذي تختاره احتفظ ببعض البقايا الراحلة ستجدني ! مضت ومعها عهود الجمال ونشوة الفرح أيقن أن قلبه الثمل لن يستفيق من إغفاءة السكر إلا حين يراها .. ابتسم وهو يفتح خزائن قلبه شعر بأنه يحتفي احتفاء روحي سعيد ، فلقد سمع تغاريد قلبه على أغصان الحياة ورآها وقد حلقت في سماء الحب بلا وجل .. ردد معها نحن لا نخشى الأسوار أيا كانت .. كان الوهم ينسج خيوطه على شرفات قلبه .. لم تعد روحه تعبق بشذى عطرها .. غابت ولم تعد تطرق الباب .. استفاق هذه المرة بنبرة عتاب آسرة منها .. أنت لا تخبرني بالأسباب هكذا تمضي ولا تلتفت .. لا تعلم ما الذي أوقدته في صدري فجأة انكسارات حزن وليدة تصرخ وتبكيني .. كل شيء أمامي يصبح رماديا تغيرت صفحتي الزاهية ، كنت أنت حلما يقتات من الصبر في داخلي يرنو لميعاد لم يقطف أوانه .. لا تقل لي أن الأماني هي أوهام .. لو لم نرقب أمانينا ونبتسم وهي تتهادى أمامنا في زورق الأيام .. ونقتضب حين نرى عباب المستحيل يكاد يغمرها .. كل شيء يبدو لنا ممكنا ما بقي فينا أمل يشعل ضياء عتمة المشاعر .. ارتعد للحظات وأحنى ركبتيه وجلس على الأرض ولم يجب بشيء وكأنما رصيد الكلمات ينفذ من قلبه .. سمعها وهي تردد أحن إليك وإلى جنونك الذي اقتحم عالمي بكل عنفوان وأباح لي بكل مكنون إليك أيها القلب المهاجر.. شعر بوخز الحزن الذي التحف أيامه وأطلت عليه خيبة الأقدار لتخبره بأن عليه الرحيل فقد طال مكوثه أسفل سلالم الحنين وأن قمره لن يضيء سماءه .. عليه أن يعتاد ظلام الحيرة فقد سكنت إليها روحه وألفتها زمنا !