يقرأ الناس قراءات متناثرة ومداخلات متفاضلة ولكن الكلام يأخذ مجراه عرضا وطولا، وهذا مشهد من مشاهد الثقافة العصرية يتشدق بها غير العارفين او لنقل الذين عناهم الدكتور زكي مبارك عندما يقول منتقدا الدكتور طه حسين ان طه حسين يقرأ قليلاً ويكتب كثيراً واذا كان هذه الحال مع دكتورين اديبين كبيرين فما بالك بأجيالنا الصاعدة الذين يلجأون الى الحاسب الآلي ويتركون الكتاب استغناء عن التحصيل الثقافي المكثف الذي لابد لمن اراده ان يكون واسع الصدر متتبعاً للاصدارات.. اصدارات الكتب والمؤلفات والمراجع والمصادر. وانا – اعوذ بالله من أنا – ممن حظي بحب القراءة واقتناء الكتب لكنني اتمتع بمعاني الكتب ومعلوماتها وقيمها التي كثيرا ما اعبر عن ذلك بملء فمي ومداد قلمي وسطور اوراقي ونادرا ما اسمع ان احدا من الجيل الصاعد انه يمتلك رفاً من الكتب واقصد أولئك الذين يقرأونها اما الذين يزينون هذه الكتب في غرف بيوتهم فهو ادعاء لا يثمر ولا يغني من علم ذلك ان الكتب تبقى في هذا المستودع الاسن، ورحم الله الاجداد كانوا في البلاد اليمن محبين للكتب ومخطوطاتها وعندما رحلوا بقيت في الاضابير والرفوف وقد حدثني استاذي الدكتور محمود الطناحي انه كان في بعثة علمية الى اليمن للوقوف على بعض المخطوطات الادبية والتاريخية وفوجئ عندما مد يده فاذا ما يلمسه قد تهشم وانها مخطوطات فاسدة الورق واصبحت كالرماد فسأله بعض الزملاء ماذا تعني هذه الظاهرة لك كباحث اكاديمي محب للتراث فقال هذا يعني ان تلك المخطوطات لم يحافظ عليها اصحابها كالتهوية والاضاءة والمحافظة عليها. لكني عندما استقرأت هذه الظاهرة جاشت بنفسي آلام وامال كيف ان المؤلفين والقدماء يؤلفون كتبهم على الورق البردي والعراقي والشامي والمغربي ومرت السنون عليها ولم تحفظ كما اسلفنا . مسألة اخرى على هذه الظاهرة ان الاهتمام بالعلم والمعرفة والتراث تقلص بمرور السنين لجهل الورثة بقيمة هذه الكتب والمخطوطات الامر الذي لم يستفد منها احد ولعل تلامذة الجيل ان يستفيدوا من الحاسب الآلي بحفظ معلوماتهم ودراساتهم وابحاثهم عبر الطابعة والتخزين الآلي في هذه الحاسوبات التي تلتقتها العيون والايدي عبر اللاقط كما يقول شيخنا حمد الجاسر رحمه الله.