كنا قد تناولنا فى مقالنا السابق بعض ملامح الشخصية العربية, وكيفية تأثير اللغة العربية كعامل مشترك على تفكيرنا وسلوكنا نحن العرب, ومررنا سريعا على نظرية "الأنومى" لعالم الاجتماع الفرنسى"دوركايم" وضرورة الأخد بها لمعالجة ما وصلت اليه مجتمعاتنا من انحراف قيمى. واستكمالا لما بدأناه سنناقش اليوم بعض المفردات والقيم المنشرة, وكيفية تعاطينا وتعاملنا معها… فلو أخدنا قيمة «الشرف» هنا كمثال لوجدنا أنه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمفهوم الحسى أو الجنسى فى مجتمعنا العربى, فقد إعتدنا أن نستخدم كلمة «عرض» للتعبير عن الشرف, بل وإختزلناه فى الغالب فى «المرأة»!، ف «العرض» بالنسبة للرجل العربى هو حسن سمعة نسائه, ولذا نجد مثلا أن أقصى إهانة للعربى، هو إهانة عرضه، أى توجيه التهم إلى نسائه! كذلك نجد أن الشخصية العربية تعطى إهتماماً كبيراً ل «كلام الناس», ونستطيع القول إن «كلام الناس» فى مجتمعاتنا من أقوى العوامل فى توجيه سلوك الفرد، والتأثير فى تفكيره، مما يوضح لنا أيضا أن ظاهر الأمور هو الأهم من جوهرها فى الفكر العربى! أيضا عندما نبحث ودون حتى أن نتعمق فى طبيعة الشخصيةالعربية، نجد أن العربى يحمل نفساً غامضة, فيها شيئاً من الحزن, ونرجح أن هذا الحزن قد يرجع إلى كبت المشاعر, فالرجل فى مجتمعاتنا مثلا لا يجب أن يبكى, كما أنه من الوقار ألا يعبر عما يفرحه ويظهر المرح والضحك والإستمتاع بالحياة, وأى إظهار علنى للحب غير مستحب! فالعرب نجدهم أكثر تقبلاً لفكرة التعبير عن الحزن وإظهاره عن إظهار الفرح والتعبير عنه. كما نلاحظ أيضاً أننا نميل للحكم على الآخرين بأحكام سريعة ، وقد تكون هذه الأحكام نهائية، وذلك من مجرد موقف أو خبر سمعناه أو نقل إلينا، وقد يكون هذا الخبر شائعة لا أكثر. وبعد كل ما سلف, ووسط هذا الضجيج المحيط بنا من جميع الأركان, قد نتساءل سويا… وماذا عن الحب فى حياة العربى؟ الحب ك«قيمة» تحرك الحياة! وتعالوا بنا نفكر فى الموضوع… فالحب ينبت كالزهرة فى تربة من الشعور بالأمان والاطمئنان, والزهرة لو زرعناها فى تربة فقيرة وأغلقنا عليها هواء فاسداً, فإنها سرعان ما تذبل وتجف وتموت. وكذلك الحب بكل صوره وأشكاله, فالحب يتأثر بدرجة كبيرة بنظام المجتمع, وبدرجة نموه الاجتماعى والاقتصادى. ولا يخفى علينا جميعا ما تعانيه مجتمعاتنا فى هذا الشأن!!! الأمر الذى يفسد علينا تذوق العواطف والاستمتاع بجمال الطبيعة والبشر والفنون. فهناك الملايين ممن تنهكهم الحاجة …الحاجة إلى الغذاء والكساء والصحة والراحة، تلك الحاجة تحرمهم من ممارسة ألوان الحب المختلفة. وهناك قول رائع ل «كريستوفر كودويل» (إن المجتمع عبارة عن إنتاج اقتصادى ممزوج بالحب, وكما أن الحب هو الذى يجعل الحياة تمضى, فإن الطريقة التى تمضى بها الحياة تؤثر فى صورة الحب). فالعلاقة ما بين التخلف الاقتصادى والحب علاقة عكسية, فمع التفاوتات الطبقية الكبيرة، وعدم قدرة المجتمع على تلبية مطالب الناس, وانتشار البطالة, وضيق الأرزاق الذى يولد ضيق الصدور, نجد أن غالبية العرب يعيشون ممزقين بين حلم الحياة وواقع أليم, فالابن يشعر بالسخط تجاه والده, حيث يشعر بأنه يجب أن يوفر له المزيد, والأب يشعر بالسخط تجاه أسرته من كاهل المتطلبات، والمدرس يملؤه السخط من مجتمع لا يقدره، ونجد أننا طوال الوقت نريد أن نتخلص من ذاتنا القديمة, إلا إننا غير واثقين من ذاتنا الجديدة. وأعود لقول جميل ل"موريير شافرتز":(أهم شىء فى الحياة أن نتعلم كيف نحب, ونسمح للحب بدخول قلوبنا). ومازال لحديثنا بقية. [email protected] Twitter: @Heba_elmolla