في إحدى المرات طلبت مني ابنة أخي الصغيرة مساعدتها في جمع أكبر عدد من الإعجابات (اللايكات) لأنها مشاركة في مسابقة أجمل إطلالة لأحد الأندية الصيفية ، وطالبة أخرى جاءت عندي بهدف تجميع لايكات لنشاط أختها والمساهمة في نشره . طلبات هنا وهناك تتنامى لدى هذا الجيل الشغوف بما أفرزته حضارة اليوم وصناعة الجذب الأكيدة التي برزت فيها وسائل التواصل الاجتماعي ( تويتر ، انستقرام ، سناب شات … ) في بسط نفوذها على عقول الشباب . اللايكات تعني قبول وإعجاب إلكتروني لما يتم عرضه من صور ومقاطع ولكنها صارت تأخذ منحى المجاملات وافتقدت المصداقية وانقاد الجيل طوعا لمهمة دعي إليها وهي الفزعة بالمصطلح العامي ! هوس فضولي يتم بتجميع الإشادات والإعجابات وما من صعوبة تذكر كل المطلوب لمسة زر تعني لايك من حسابات التواصل ، هذه اللمسة السريعة تعني الانقياد ! موضوع تنامي ظاهرة اللايكات بين هذا الجيل والتأثير الذي أحدثته في مفهوم الرأي بحيادية والاختيار بناء عن قناعة شابه الاستفهامات ! نحن مسؤولون عن تشجيع هذه الظاهرة والمشكلة تحدث فعلا في غياب وعي الكبار عن الضرر الحاصل ، أصفها بأنها ثقافة ترفيه يرحب بها على حساب مثل ومبادئ يتخلى عنها ! فمن المسؤول عن انتشار هذا الفكر الجديد ؟ من الواقع والمشاهدات أن البيئة المدرسية صارت تفعل هذه البرامج وتدعو الطلاب إلى التفاعل من حساباتهم في وسائل التواصل الاجتماعي ويتم الإعلان عن جوائز للصورة التي تحظى بأكبر عدد من الإعجابات ! غفل التربويون عن جوانب مهمة تلقي بآثارها السلبية على النشء ، وكان يفترض العمل على الحد من هذه الظاهرة في بيئات التعلم . أعتقد أن وسائل التواصل الحديثة نجحت في تحويل مسار تفكير جيل بأكمله تجاهها ، هذه الأجيال نهدر لديها استقلالية الرأي بطريقة أو بأخرى يتم تسييرها وفق أهواء الآخرين وهذا مزلق ممكن أن يقودها لتبعات لا نفطن إليها ! هذه الوسائل استطاعت جذب النشء و أحكمت السيطرة على عقولهم توجهاتهم ، و ميولهم .. ثقافة هذا الجيل محصورة في فهم أحدث التطبيقات والبرامج وتحديثها والتفنن فيها ! من الطبيعي الآن ازدياد هوس التفاعل مع هذه البرامج وقبول الدعوات فقط دون تمحيص لها ! لن يتعلم هذا الجيل معنى إبداء الرأي بشفافية وسيعتاد المجاملة على حساب قناعاته الشخصية ، من السهل بعدها السيطرة عليه وتوجيهه لأهداف أخرى حين يعتاد ألا يقول رأيه بمصداقية فإنه يصير مسيرا لا مخير ! والسؤال الذي يطرح نفسه ما سبب تأثر هذا الجيل بهذه الوسائل ؟ لعل في وجود متعة التسلية الأكيدة التي غلفت تلك التطبيقات ما يجذب هذا الجيل في ظل غياب القدوة والنموذج المرشد لهم ، ويعتبر عامل فقدان الثقة مؤرجحا لأسباب هذا الانغماس .. حيث وجدوا في الدعم والمساندة المغلفة بالمجاملات درعا واقيا يصبغ شخصياتهم بملامح القوة والنجاح المتوهم ! حصد اللايكات ينعكس سلبا على الداعم والمدعوم الفائز والمشجع ، لامعنى حقيقة لنجاح استجدى الآخرين التصفيق ! على التربويين في المدارس العمل على إيقاف تجميع الانتصارات الوهمية ، وعلى الأسر إرشاد أبنائها والحذر من الانغماس في تتبع أحدث التطبيقات واختيار ما يناسبهم ولا يتعارض مع القيم والصفات المثلى . علينا تشجيع هذه الأجيال على الرأي المحايد وأن لا يكونوا إمعات مسيرين ! نأمل في نجاح البرنامج الوزاري (فطن ) الذي أطلقته وزارة التعليم في تعديل سلوك الطلاب وتنقية أفكارهم مما علق بها من شوائب التقنيات ، وأن يكون قادرا على مسح الصورة الهزيلة التي انطبعت في نفوس الطلاب ، فلم نعد قادرين أحيانا على تمييز شخصياتهم الحقيقية . [email protected] mtmyh1 @ رواء الكلم