لو قُدر لأحد أن يخاطب الإنسان الداعشي أو الصفوي أو من كان في حكمهما وصفتهما وسلوكهما تغولاً في الدين بخطاب يستهدف وعيه الخاص عن الحياة ؛ فهل سيتمكن من إقناعه بأن المرتكز الأول للإسلام هو قيمة الحياة ، وأن أي دين لا تُعد الحياة فيه قيمة لا يعد ديناً !! بل عبث وأي عبث ؟ فالفضائل الإيمانية لا تغرس بالشرور أبداً ، وألفة المؤمنين لا تتحقق بالتنفير ، والاعتصام بحبل الله لن يتم بالتفجير والقتل والتنكيل. كيف سيفهم المتطرف أياً كانت مرجعيته أن الحياة هبة الله تعالى لخلقه بمن فيهم الكافر والفاجر والملحد.. ولو أراد سبحانه أن ينتزعها ممن يكفر به لما تعهدهم بالرعاية والحفظ وهم لا يزالون أجنة في بطون أمهاتهم ، فسبحان الله ما أعدله .. وسبحان الله ما أجهل المتطرف بعدله. من يقنع المتطرف أن ديننا الإسلامي إنما أتى ليغذي فضيلة الإيمان بالقناعة لا بالإكراه والتهديد ؟ فلو أراد الله سبحانه أن يؤمن به كل من في الأرض لقال لهم كونوا مؤمنين ولكانوا كذلك غير مختارين ، (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) الآية ، لكن الله سبحانه لم يشأ أن يجعل الحياة مفرغة من قيم التدبر والتأمل واللتين من دونهما يصبح الإيمان مجرد صفة تكوينية للإنسان لا مكتسبة جرائهما ، فالأخيرة هي ما تستوجب الاستباق للخيرات والإعداد الجيد للحساب بينما الأولى ( الإيمان القهري ) تجعل الحياة برمتها بلا معنى . كيف نقول للمتطرف أن الله تعالى حينما اصطفى الرسل والأنبياء عليهم السلام من بين البشر لدعوة البشر لم يكن بسبب قسوتهم وغلظتهم وشدة بأسهم ، إنما لأنهم كانوا خير من تمثل القيم الإنسانية في أزمنتهم ، لقد أحب المجتمع القرشي محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث فيهم رسولاً بسبب أخلاقه وسيرته الحسنة ، ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) الآية ، فالقاعدة الذهبية للرسالات السماوية لم تكن بالحراب والسيوف ، إنما بالقيم (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِين ) الآية ، فنبي الله موسى عليه السلام يوم بعث في قومه لم يبعث لينتزع من فرعون سلطانه على بلده ، إنما ليدعوه لعبادة ربه بالحجة والبرهان وبالقول اللين ( فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ) الآية ، وحينما بعث رسولنا صلى الله عليه وسلم قال لنا ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) الحديث ، ولم يقل لأقيم دولة وحدود وسيادة وسلطة ، لذلك مكنه الله تعالى وحبب إليه الخلق ، واتبعوه ولم يزالوا على اتباعه حتى اليوم ؛ يصلون عليه ويسلمون تسليماً رغم سقوط دول ونهوض أخرى ، فالثابت هو القيم ، أما المتغير فهو الاستبداد ، فإن كان الدين هو خير قالب للقيم فإن التسلط على رقاب الناس وإكراههم لا قالب له إلا الإلحاد والنفور حتى وإن كان المسوغ الأبرز لهذا التسلط أو ذلك الاستبداد هو الدين .