خيوط رمادية متصاعدة ، حيناً تتمايل برشاقةٍ ، وحيناً تتدافع حتى يتشوه صعودها. موسيقى صاخبه تمزق ما تبقى من مساحات الهواء التي مرت بها أسراب الدخان الكريهة. مركبة سوداء فارهة يتمدد على مقعدها الأمامي جسد نحيل شاحب لونه . عينان بنيتان تحدق بعيداً تحاول أن ترى ما يستحق أن يُرى. ويرتفع صوت الحق -أذان الفجر- و فواز يحاول أن يتحرر من صخب سكونه الذي يعزله عما حوله، و يفشل . يرن هاتفه المحمول ؛ ( أمي/السوط الأكبر) يتصل بك. يلقي الهاتف ببلادة حس ، و ابتسامة صفراء و زفرةٍ ناقمه. فواز فتى في السابعة عشر من عمره، له شقيق يكبره بأربعة أعوام ، وأخ توأم ، و أخت صغرى لم تنهِ عامها الخامس. ينظر إلى سيجاره وهو يحترق و يتذكر كم كان يحترق مثله بصمت في كل مره كانت أمه تميز أخاه التوأم(عمار) عنه في كل شئ. فواز يحب الألعاب الحركية ، ويحب الفك و التركيب ، يظن دائماً أن هناك أحد ما بداخل كل لعبة يقتنيها؛لذا كان يفكك ألعابه وذلك ما يثير غضب والدته وتظل تذكره بأن انظر إلى عمار جميع ألعابه سليمه، وانت كل ألعابك قد حطمتها، انت غبي لا تعرف كيف تحافظ على أشياءك. لن أشتري لك مجدداً لا ألعاب ولا هدايا) فواز شغوف بالحركة و المعرفة مُذ كان في الثالثة من عمره وهو يسأل عن كل شئ و أي شئ وهذا ما يجعل أبواه يتذمران منه و يعنفانه ب"اسكت، لا شأن لك، ولا تسأل"و في أحسن الأحوال يتركانه معلّق بطرف سؤال يظل في نمو و تفاقم حتى يكاد يبتلع تفكيره. عمار منذ نشأته الأولى وهو خجول ، متشبث بجلابيب أمه يخاف من نظراتها و يرعبه ضجيج مزاح و غضب أبيه على حدٍ سواء. عمار يظل موافقاً على كل شئ و أي شئ يريدانه أبواه ، بينما فواز دائماً له رأي يدلو به و كثيراً ما يُقطع حبل ذاك الدلو بفعل فاعل. كبر فواز و كبر معه سؤال عقيم قد يئس أن يلدن له الأيام جوابا ؛ وهو( لماذا يغضب الجميع مني؟) و أقنع نفسه أخيراً بأن الجميع لديهم سياطٌ حمراء ، و أنهم يَرَوْن أنه الأحق بتلك السياط و ألمها. في الرابعة عشر من عمره لم يحتمل تلك الثورة العارمة التي اجتاحت جسمه و عقله و مشاعره؛ مشاعر " الحب و الانتماء" التي ظلت تتعارك مع مشاعر" الكراهية و الغربة". فقرر ذات مساء وفي أحد أزقة الحي الذي يسكنه أن يقيم علاقة مع السيجار، فالسيجار يشتعل محمرّا من أجل أن يكون ، وإلا فلا قيمة لها .وهو يشتعل غيظًا بفعل تلك السياط الحمراء التي يجلده بها أقرب الناس له كلما تكلم أو فعل فِعلاً يثبت به نفسه و يعبر به عن رأيه، وكلاهما: فواز و السيجار يحترقان بصمت . يرى فواز أنها علاقة حميمة عادلة . ومع صوت إقامة صلاة الفجر ينطلق فواز بالسيارة ليعود للبيت الذي تكاثرت فيه السياط و تواصت فيه بالحُمره. الكاتبه / إيمان الجريد ( ثراء )