دائماً العيد وسط الأهل اجمل حتى وإن أضنانا زحام الحياة ومشاغلها والمسافات، فهو مناسبة عزيزة وفرصة نقتنصها للتواصل الذي لم يعد يسيرا كما كان في الماضي. وعيد الفطر تحديدا في المدينةالمنورة له عبق الطيب في نفس أهلها ونفس كل من عاش فيها قدرا من العمر في الماضي، لأنها حتما نقشت في ذاكرته ووجدانه ذكريات تصاحبه ويشده الحنين إلى الزمن الجميل. رحم الله أيام ونفوس زمان عندما كان للعيد فرحة تنسج خيوطها في زوايا القلب للصغير والكبير على السواء في حارات المدينةالمنورة، بين أصحاب كرام منهم الأديب والشاعر والتاجر والصانع وقت أن كان التاريخ العريق يعطر بعبقه نفوس البشر ويضع بصماته على معالم البيوت والحارات والأحياء السكنية العتيقة، وحيث نثر الزمن الجميل الفرح في دروب الحياة وعاداتها وتقاليدها وناسها، رغم بساطة العيش، إنه النقاء الذي نفتش عنه اليوم في الزمن الصعب. آه من الذكريات الغالية عن بهجة العيد الصافية عندما كانت البيوت كالقلوب، أبوابها مفتوحة وعامرة بالحب والترحاب، لذلك أحرص في كل عيد بعد شهر رمضان المبارك على زيارة المدينةالمنورة للتشرف بالسلام على سيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحابته وسلم، والصلاة في مسجده الشريف الذي يستوعب اليوم ملايين المصلين كالمسجد الحرام في أجواء من الطمأنينة والراحة بفضل الله ثم ولاة الأمر وفقهم الله، وأزور ثلة من الأحبة الذين جمعتني بهم سنوات الزمن الجميل نستعيد الذكريات وعبق حياة الأمس ونترحم على من سبقنا ورحل عن دنيانا، رحم الله أمواتنا وأموات المسلمين. ومع تغير الزمان وملامح الأماكن بعد التطور، وتلاشت أسماء أحياء وحارات مثلما غابت أشياء كثيرة جميلة في حياة اليوم، أتمنى على أهل التاريخ والثقافة والمتاحف وحتى الإعلام ألا يغفلوا أو يبخلوا على الأجيال الجديدة بهذا التراث. وأخص "الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني" في هذه الرسالة، وهي جديرة بها ويقترن مسماها بمسؤولياتها وأمانتها الوطنية الكبيرة، تجاه شواهد ومعالم وصور حياة الماضي والدراسات والسير والتأريخ، إنها ذاكرة الوطن يجب ألا تغيب بتغير الأجيال وتتابع الأزمان والتطور الذي تغول على عبق التاريخ. العيد في حاضرنا واسفاه، بات مناسبة للعزلة النفسية قبل المكانية، ولذلك أصحاب الذاكرة الحية ينسحبون في هدوء إلى الزمن الجميل بحميمية تعيد إليهم شيئاً من بهجة داخلية للحياة، ولا يزال الشعر يحفظ هذا الجمال الذي أفاض به شعراء المدينةالمنورة الذين اصبحوا جزءاً من سيرة مجتمعها وحركتها الأدبية فقد حفروا بأقلامهم للأجيال هذا الحب لمكانة المدينةالمنورة وأحيائها ومزاراتها ومعالمها القديمة وأسواقها وصور الحياة في العيد زمان، وتجلت في قصائدهم. روحانيات طهر المكان، ومن ذلك قصيدة (سقاك الله) للسيد علي بن عبدالقادر حافظ رحمه الله: ويا طيب المدينة كل شخص يحن لها ويحرص ان يراها ويا طيب المدينة زملوني بتربها لأنعم في حشاها دعوني ألثم الترب احتراماً في الترب من طهر تناها أيضاً وصف أديبنا محم العيد الخطراوي رحمه الله، للروضة الشريفة: ورحاب كأنها الجنة الخلد بأفيائها يطيب وجودي تندى بها الأماني وتهمي فوق رأسي بها سحائب جود إنها فصول من الحياة ومن الحب عن خطى أجيال، ومن كتبت عليه خطى مشاها كما قال الشاعر وهكذا هي سنة التغيير في الحياة، المهم أن يبقى طيب النفس وجمال الروح، كل عام وأنتم بخير.