شدتني منذ وقت مبكر فصاحة وحكمة وبلاغة شعراء البادية في السودان خاصة في أرض البطانة وهي منطقة واسعة من السودان واستمتعت كثيرا فيما مضى ببرنامج زميلنا وصديقنا الأستاذ محمد الفاتح يوسف أبوعاقلة (بوادينا) حتى أصبحت القنوات السودانية تتنافس اليوم على هذا التراث الضخم. وقد هالني التشابه الكبير بين تراثنا السوداني وتراث البادية العربية فتمنيت أن يسعى وزير الثقافة السوداني الأستاذ الطيب حسن بدوي لإقامة مهرجان البادية الأول في السودان في منطقة البطانة بمشاركة الدول العربية خاصة دول الخليج التي تزخر بهذا النوع من الشعر مع اختلاف مسمياته. ومما قرأت عن هذا الموضوع أن معاجم اللغة ذكرت أن راعي الإبل إذا أراد أن يستحث إبله لتجيء إليه بسرعة زجل بصوته وغنى لها وقيل عنها بأنها البدايات الأولى للحداء برجز الشعر وهي التي يسميها عربان البوادي الحاليين والأقدمين ب(دواهة الإبل) والدواهة في اللغة هي كلمة أو كلمات قليلة ذات لحن مميز يؤلفها ويلحنها راعي الإبل لينادي بها على إبله. وقد اشتهرت البادية السودانية ورعاة الإبل في سهول البطانة خاصة بشعر الدوبيت وهو قالب شعري دخل العربية من الفارسية واصطلح عليه بالرباعية وقد استعمل العرب مصطلح دوبيت للتمييز بينه وبين المربع..كما اشتهروا بالمسدار وهي قصيدة من أبيات رباعية وتعنى بسرد ومتابعة رحلة الشاعر إلى ديار محبوبته وهو يمثل نوعاً معيناً من القصائد الشعبية التي تسير على نمط الرجز الرباعي وهي شبيهة بالقصائد العربية القديمة ويتكون من مجموعة من مربعات الدوبيت. أما في الخليج فهناك ما يعرف بالشعر النبطي ويسمى أيضاً القصيد وهو الشعر العربي المنظوم بلهجات الجزيرة العربية وبين أهل البادية في فلسطين والعراق والأردن وسوريا. والشعر النبطي يكاد يكون امتداداً لشعر العرب في الجاهلية وشعر أهل البادية في صدر الإسلام، فيكثر فيه استخدام المقدمات الغزلية التي تؤدي بعد ذلك إلى موضوع القصيدة الرئيسي من فخر أو مدح أو حكمة أو نصح، أو وصف، وبدرجة أقل الهجاء.. وشعر المحاورة هو فن من الفنون الأدبية الشعرية الحجازية وله جماهيرية واسعة في عموم الجزيرة العربية. وتوجد عدة مسميات لشعر المحاورة منها (رديّة) و(المبادعة) لاعتمادها على بدع القوافي أي تأليفها ارتجاليا و(قلطة) وهي مشتقة من كلمة (أقلط) ومعنى يقلط أو أقلط -وهي كلمة شمالية- معناها تفضل سواء بالدخول أو على الطعام و(أقلط) موجودة في الحجاز قديماً. دعونا نستمتع بالمهرجان الأول إن تحقق ذلك ليتحاور ويتجادع شعراء البادية من السودانيين مع رصفائهم الخليجيين في قلب البطانة.