مع قرب حلول شهر رمضان المبارك نجد أننا جميعاً قد تأخذنا مشاغل الحياة وضرورات العمل والمسؤوليات الاجتماعية عن أنفسنا حتى لنذهل عن أجمل الأشياء التي منحنا الله إياها، فلا نستمتع بها. ومن ذلك قضاء أكبر وقت ممكن مع الوالدين، لنسترد بقربنا منهما شيئاً من طفولتنا التي سرقتها المسؤوليات ونعود أطفالاً كما كنا نستدفئ بظل الحماية تحت ظلهما، ونستشعر الأمان في أحضانهما. وإذا ما كبرا أو مرض أحدهما أو كلاهما سنجد المتعة النفسية حين نرد لهما بعض دينهما علينا ونرعاهما ونسهر على راحتهما مثلما فعلا لنا ونحن كأضعف ما نكون، لم يمنعهما من السهر علينا ونحن نعاني المرض في طفولتنا مشاغل العمل أو مسؤوليات البيت أو المجتمع. فما الذي يمنعنا من السهر عليهما وهما مرضى اليوم.. ولماذا!. كنت استصحب هذه الخواطر ويملأ قلبي هذا الإحساس ممنياً النفس بقضاء هذا الشهر الفضيل أنقطع فيه عن العالم بالتقرب الى الله و ملازماً والدي ومستأنساً بقربي منهما، أبثهما حبي وتأكيدي لهما بأنني سأظل معهما، رفيقاً وأنيساً وخادماً وصاحباً. إلا أن إرادة الله وقضاءه وقدره سبحانه وتعالى شاءت أن يأتي رمضان في غياب والدتي التي اختارها إلى جواره "في هذا الشهر الفضيل العام الماضي " نسأله تعالى أن يكون أبدلها صاحبا خيرا منَّا وداراً خيرا من دارنا، لذا أقضي رمضان هذا العام بجوار والدي أواسيه وأبدد وحدته، وأغسل، ما وسعني الجهد ما ترسب في قلبه من حزن لفقده رفيقة دربه الطويل في السراء والضرّاء. نحمد الله أننا لم نكن في ساعة الحزن والفقد وحيدين فقد تقاطرت وفود المعزين الكريمة ينيرون بوجوههم المعزية الطيبة وبعطر وجودهم السمح صمت غرفنا الحزينة والحق أقول، لقد هزتني مشاعر فاض بها قلبي وأنا أتلقى مكالمة هاتفية من سيدي الملك سلمان، واستشعرت الفخر يملأ جوانحي بأنني أنتمي إلى تراب هذا الوطن، وأن الله قد أكرمنا حين جعل هؤلاء الرجال قادتنا وولاة أمرنا. رجال تستند عليهم وقت الحاجة والشدة دون أن تسألهم، ويبادرون بالوقوف معك لحظة تواجه محنك لوحدك فتشعر أن الوطن كله إلى جانبك يقف، وأنك تسند ظهرك على جدار قوي آمِن. وتساءلت: كيف يستطيعون تذكر كل الناس في هذه اللحظة التي تفيض فيها أبوابهم ومجالسهم وممرات قصورهم وتغص بالناس؟!. وما من إجابة سوى: إنها ذاكرة الوفاء التي لا تنسى، ولا تسقط منها ورقة. ومن شب وتربى على شيء شاب عليه. فهكذا كان جوهرة التاريخ الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وهكذا كان نهجه الذي سار ودأب عليه وربى أبناءه على نهجه، فقد كان (رحمه الله) أحرص على أصحابه من نفسه، يتفقدهم، ويعود مريضهم، وكأنهم أبناؤه. وهذا دأبنا مع أبناء عبدالعزيز -رحمه الله- فكل واحد منا -أبناء الوطن- يشعر بأنه الوحيد المختص بحبهم ورعايتهم، وتحت هذا الظل نروح ونغدو، وتقر أعيننا هناءة واطمئناناً وحباً وأمناً. وكل عام وأنتم ومن تحبون بألف خير. ** الكاتب والأكاديمي