عندما بادر عثمان بن عفان رضي الله عنه بتمويل جيش العسرة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام , فإنما كان يفعل ذلك من منطلق المسؤولية الاجتماعية التي يدعو لها الإسلام ويحث عليها . وقبل ذلك ما قام به رضي الله عنه لشراء بئر رومة وتوسعتها ليستقي منها المسلمون في المدينةالمنورة والتي لا زالت قائمة حتى الآن تعرف لدى أهل المدينة باسم بئر عثمان , بمعنى أنها مساهمة واعية في التنمية المستدامة . ومن هنا نعلم أن ديننا الحنيف قد عرف المسؤولية الاجتماعية قبل أن يعرِفها الغرب والآيات الكريمة والأحاديث الشريفة صريحة وواضحة في هذا الجانب . ولقيمتها الكبيرة أصبحت دول العالم المتقدم وحتى بعض الدول النامية تهتم بها رغبة في كسب المزيد من المساهمات للتنمية المستدامة . حيث يُنظر للمسؤولية الاجتماعية بأنها مسألة أخلاقية لأي كيان، سواء كان منظمة أو فردا..يقع على عاتقه العمل لمصلحة المجتمع ككل ، وهي أمر يجب على كل منظمة أو فرد القيام به للحفاظ على التوازن ما بين الاقتصاد ، إذ لا يختص بمنظمات الأعمال فقط بل هي شأن كل فرد تؤثر أفعاله على من حوله بطبيعة الحال . وتعد المسئولية الاجتماعية واحدةً من دعائم الحياة المجتمعية الضرورية، فهي سبيل التقدم الفردي والاجتماعي، بل إن القيمة الحقيقية للفرد في مجتمعه تقاس بمدى تحمله المسؤولية تجاه نفسه وتجاه الآخرين، ولذلك لا بد من العمل على بث الوعي بأهميتها ووضع البرامج الكفيلة بترسيخها لدى الأفراد والمؤسسات. وقد عرّفها الاتفاق العالمي للأمم المتحدة بأنها (ربط اتخاذ القرارات في مؤسسات الأعمال بالقيم الأخلاقية،وبالامتثال للاشتراطات القانونية، وباحترام الأشخاص، والمجتمعات المحلية، والبيئة) وتعرّف أيضا بأنها الالتزام المستمر من قبل شركات ومؤسسات الأعمال بالمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والعمل على تحسين نوعية الظروف المعيشية للقوى العاملة وعائلاتهم، والمجتمع المحلي والمجتمع ككل . ويتضح من هذا التعريف أن المسؤولية الاجتماعية ليست عملاً خيرياً بل التزاماً أخلاقياً من مؤسسات وشركات الأعمال للمساهمة في تنمية وتطوير المجتمع .حيث أن رقي المجتمعات يقاس بمدى نمو الأفراد ونضجهم الاجتماعي ومدى إحساسهم بتلك المسؤولية التي تفرض التعاون والالتزام والتضامن والاحترام والحب وحسن المعاملة والمشاركات الجادة . ومن الجميل أن عددا من الشركات ومؤسسات الأعمال في الدولة أخذت تتجه نحو هذا المسار الإيجابي بطريقة رائعة وتقدم مساهماتها بشكل مدروس وتضع الخطط لاستمرارية المساهمات وتنويعها إلا أنها هذه المشاركات لا ترقى إلى المستوى المطلوب وأقل بكثير جدا من المتوقع .. إذا ماقيست بعدد الشركات والمؤسسات الكبيرة والقادرة . ويظل من الأهمية أن تعي كل منها مسؤولياتها وما ينبغي عمله بصورة ناضجة ومستمرة ,للمساهمة في خدمة المجتمع بما يحقق التنمية الفعلية . ولعل جائزة صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز للمسؤولية الاجتماعية ترسم طريقا للانطلاق في العمل الطوعي وتحدد معالمه بأسلوب واع وتشكل محفزا للمنافسة بما يخدم الجميع . وحتى يكون للعمل أبعاده يفترض أن يتم تشكيل مجلس أو جهة تتبع الشؤون الاجتماعية لتقوم بتنظيم المجهودات وتنسيقها بشكل متوازن وبما يعود بالفائدة على المجتمع في كافة أنحاء المملكة .