تعيش رجاء في قوقعة حزن يغلفها الصمت الرمادي "لا تنطق حرفاً ولا تكف عيناها عن الكلام". تجتهد أمها في إخراجها من تلك الحالة و تدعوها لزيارة جارتها "فدوى" زوجة المغدور و تقديم الهدايا لأطفالها و تجد رجاء في ذلك فرصة للتنفس فتفعل. في إحدى المرات وعندما كانت الجارة تودع رجاء و أمها استأذنتهما في الانتظار قليلاً حتى يُدخِل ابن أختها بعض الأغراض ثم يغادرن ، دخل وتحدّث لخالته وألقى السلام ثم انصرف. صوته ظل في أذن رجاء ، أسرعت لتنظر إليه شخصت عيناها وهي تنظر إليه (هو هو القاتل صوته طوله ملامحه هو) شدتها أمها من يدها وهي تلقي عبارات التأنيب والتوبيخ عليها "كيف تنظرين بهذه الوقاحة ولا تستجيبين لي؟!" لم تتعثر رجاء بأي كلمة قالتها أمها ؛ فقد هوت في حقيقة القاتل و ظلت قابعةً فيها وحيدة. رجاء تلك الفتاة المتألقة المرحة منذ مقتل جارهم المزعج البغيض وهي شاحبة شاردة ، يزعجها صوت الساعة المعلقة على الحائط ، يخيفها جرس الباب و الأصوات المرتفعة ، كثيرة العزلة في غرفتها ، و منهكة ؛ نعم كل ليلة قبل أن تنام يجرها ضميرها لمحاكمة طويلة الحوار شاقة المرافعة ، تتهم نفسها بالتستر على مجرم وذاك ذنب لا تطيقه . و تقرر أخيراً ابلاغ الشرطة. استطاعت توفير خط هاتفي محمول بدون اسم ، ثم أقنعت أسرتها بالاستجمام في أحد المنتجعات وأجرت الاتصال الذي أفصحت فيه عن كل ما تعرفه عن تلك الحادثة ثم أغلقت الهاتف. هكذا لن يصل إليها أحد ولن ينكشف سر لقاءها بذاك الحبيب المغترب في تلك الليلة . لم تكن تعلم بأن الشرطة تملك أساليب و تقنيات حديثة تمكنها من الوصول لأي رقم أو جهاز و تحديد موقعه أينما كان؛ وصلتها رسالة تخبرها بأن الشرطة تريد التواصل معها و أخذ المزيد من المعلومات وأنهم استطاعوا تحديد موقع سكنها وبعض البيانات عنها وأسرتها. كانت تلك الرسالة كهزة أرضية ضربت بكل ما رتبته في داخلها من هدوء و سكينة و أمان. عليها أن تكشف أمر شهادتها على الحادث لأبيها و أمها،"لا أمي لا، ستترك كل القصة و تقف عند السبب الذي أخذني إلى العلية في تلك الليلة، بينما أبي فسيتهم بالأمر الأهم وهو الشهادة . سأخبر أبي" هكذا حدّثت نفسها. وفعلاً أطلعت الأب على السر و هي باكيةً ، وتفهّم الأب موقفها و اصطحبها لقسم الشرطة حيث أدلت بشهادتها. قالت كل شئ عدا وداعها لحبيبها ظل شيئاً لا يُحكى؛ وتلك عادة النساء. ** بقلم / إيمان الجريد " ثراء "