منذ عشرات السنين ودائرة المطبوعات والنشر في الأردن، التي نشأت مع نشوء الإمارة في بداية عشرينيات القرن الماضي، وهي تقوم بدور الرقابة على ضمير الكتاب والمبدعين والصحافيين، فمنعت وصادرت عشرات بل مئات الكتب وحولت كثيراً من الكتاب والصحافيين والمبدعين إلى المحاكم، سواء بالاستناد إلى مواد المطبوعات والنشر، أو نصوص من قوانين أخرى ذات علاقة بالمطبوعات والنشر (وهو عنوان كراس أصدرته دائرة المطبوعات والنشر في العام 1993). إن كاتباً وشاعراً وصحافيا واحداً هو الأستاذ فهد الريماوي رئيس تحرير صحيفة "المجد" الأسبوعية تم تحويله إلى المحكمة 19 مرة، منها 11 مرة بالاستناد إلى قانون المطبوعات، وثمانية حسب القوانين الأخرى، وفق ما جاء في عدد جريدة "المجد" الصادر بتاريخ 13/4/2009. وعلينا أن نتصور معاناة الكاتب والصحافي والمبدع والشاعر الذي يحول 19 مرة إلى المحكمة في مدة عشر سنوات، أي أنه يحول للمحكمة بمعدل مرتين في السنة، وهذه معاناة باهظة التكاليف نفسياً ومعنوياً على المبدع. إن آلاف الكتب التي منعتها الدائرة منذ نشوئها قبل حوالي 90 عاماً، تبين كم من الظلم لحق بالمواطن الأردني أو العربي المقيم في الأردن عبر حرمانه من الاطلاع على هذه الكتب. كما لا يجوز توجيه تهمة التكفير لأي مبدع أو شاعر أو روائي أو صحافي، لأن ذلك من اختصاص الإله وحده وتهمة التكفير هي أشد أنواع الإرهاب، لأن المبدع والصحافي يتعرض لأصعب موقف في حياته عند اتهامه بالكفر والادعاء عليه بأنه تعرض للذات الإلهية. وهو ما قد يُعرض حياته للخطر من ناحية، ويجعله منبوذاً في المجتمع من ناحية أخرى، بالإضافة إلى تعرضه للإحباط وربما التفكير بالهجرة ومغادرة الوطن. لذا يطالب المبدع الأردني بتغيير اسم ودور دائرة المطبوعات والنشر لتصبح دائرة للمعلومات، تقدم خدمات ثقافية للباحثين المقيمين في بلدنا، بدلاً من مراقبتهم وتحويلهم للمحاكم. ويتطلب ذلك تغييرا في مختلف القوانين التي تسمح بحبس المبدعين والصحافيين، وإلغاء قانون المطبوعات والنشر نهائياً، وعمل قانون جديد خاص (قانون دائرة المعلومات) يتعلق بتقديم الوثائق والمعلومات لجمهور الباحثين والمبدعين. نقد الفكر يجب أن يكون بالفكر والرواية تحتاج إلى أديب روائي لينقدها، كذلك نحتاج إلى مبدع وناقد في نقد ديوان لشاعر، وإلى باحث لنقد باحث آخر. فالأمر لا يحتاج إلى قوانين وإجراءات إدارية. إن المواطن الحر والكاتب الحر يدافع عن وطنه أكثر من المواطنين مسلوبي الحرية. نريد مواطنين أحراراً وكتاباً أحراراً ومبدعين أحراراً.