هل هناك بوادر أزمة مالية تهدد عالم كرة القدم؟، سؤال بدأ يتردد الى الاذهان مع مجموعة من المشاكل بدأت تعاني منها الاندية, وترتب عليها آثارا مالية سلبية، لكن ما يقلق المتابعين للعبة الشعبية الاولى في العالم هو ان الازمة في ناد كبير واحد او مجموعة من الاندية يهدد الاستقرار المالي للاندية الاخرى. بعد سنوات من الازدهار في بداية هذه الألفية، تبدو المؤشرات غير مشجعة في خضم الحديث عن حجم الديون التي تعاني منها بعض الاندية الكبيرة لاسيما الاندية الانكليزية، حتى ان كثيرا من عناوين الصحف الاوروبية بدأت ترسم صورا مأساوية للمستقبل الذي ينتظر هذه الاندية, لان التقارير الاقتصادية تشير الى أن بعضها بات مهددا بالإفلاس نتيجة عدم قدرته على دفع ديونه المتراكمة. ولا يمكن ان نفرق بين الواقع المالي للاقتصاد العالمي والتأثير المرتقب والمتوقع على كرة القدم خاصة اذا ما عرفنا ان غالبية مالكي الاندية هم من المستثمرين, ويكفي القول ان الروسي رومان ابراموفيتش مالك نادي تشلسي الانكليزي خسر عدة مليارات من الدولارات في البورصة الروسية، وهو ما جعله يحجم عن الدخول في سوق الانتقالات خلال الفترة الشتوية, وبالتالي انعكس الامر على نتائج الفريق في الدوري الانكليزي. كما لا يمكن ان نتجاهل تأثير الازمة المالية على المشجع أيضا, فعندما يفقد الاخير وظيفته فانه بالطبع سيجلس في بيته لمتابعة المباريات عوضا عن التوجه الى الملعب، وسيفقد النادي عائدات مهمة قد تترافق مع قيام بعض الشركات الاعلانية المتأثرة بالازمة باعادة رسم خطط الرعاية للاندية التي تتولى رعايتها, ولا ننسى ان المحطات التلفزيونية الناقلة للمباريات ستتأثر ايضا لكونها دفعت مبالغ خيالية لشراء حقوق النقل، مستندة على اشتراكات الحضور واعلانات الشركات. اضف الى ذلك ان المبالغ الخيالية التي تدفعها الاندية لشراء اللاعبين اوجدت نوعا من التضخم في سوق الانتقالات ستلمس الاندية آثاره السلبية لا محالة. ولا شك ان هذا الامر لم يرق للفرنسي ميشال بلاتيني رئيس الاتحاد الاوروبي لكرة القدم والذي أبلغ البرلمان الاوروبي أن الكرة الاوروبية "ستنهار ماليا" إن لم يتم تبني خططه الرامية لضبط سوق انتقالات اللاعبين وأجورهم. وطالب بلاتيني الأندية الكبرى بالمزيد من الشفافية في حساباتها المالية، لكنه عاد وأكد أن الأزمة المالية العالمية لن تؤثر على الكرة الأوروبية بقوله، "انها ليست مشكلة كبيرة لأن بإمكاننا أن نلعب كرة القدم بكلفة أقل، فالأزمة لا تقلقني شخصيا لكنها تقلقني عندما تتعلق بالوظائف التي يخسرها البعض، وعندما يخسر البعض وظائفهم ولا يجدون الأموال لإطعام أولادهم. هذا أهم من كرة القدم". وكان أمين عام الاتحاد الأوروبي الاسكتلندي ديفيد تايلور هدد في اكتوبر الماضي بأن الاندية التي تعاني من ديون كبيرة ستكون مهددة بالإقصاء من المسابقات القارية، مشيرا الى ان الإقصاء لن يكون بصورة سريعة، بل ستنال الفرق انذارا قبل ان يتم اتخاذ القرار النهائي باستبعادها. وتابع تايلور "لن نترك الأمور كما هي حاليا. في بلدان مثل ألمانيا وسويسرا الفرق تخضع لقوانين إجبارية فيما يخص الضمانات المصرفية أو حجم الديون مقارنة مع موجوداتها، وهذا هو المثال الذي نسعى إلى تطبيقه"، مؤكدا ان الاتحاد الأوروبي يهدف إلى تطبيق "الروح الرياضية المالية". وبحسب الإحصائيات الحديثة، فإن 3 من أصل الفرق الإنكليزية الأربعة الموجودة في مسابقة دوري أبطال أوروبا هذا الموسم، هي الأكثر مديونية في دوري بلادها وعلى رأسها تشلسي (792 مليون يورو)، ثم مانشستر يونايتد (772 مليون يورو)، وارسنال (343 مليون يورو). ولعل الديون التي يعاني منها ارسنال دفعت مدربه الفرنسي ارسين فينغر ليعرب عن قناعته بأن الأوضاع الاقتصادية المتردية ستترك آثارا على صحة الاندية، داعيا العائلة الكروية "الى منع النموذج الاقتصادي المطبق في العديد من الأندية الإنكليزية"، في إشارة إلى سياسة الاعتماد على المديونية وبيع الاندية لمستثمرين اجانب. واذا كانت هذه الحال في انكلترا، فان الاندية الايطالية لا تبدو بمنأى عن الازمة بعدما اشارت التقارير الى انها ستتأثر من جبهة النقل التلفزيوني الذي يشكل العامل الرئيسي لاقتصاد غالبية الاندية الايطالية, لا سيما بعد قرار الاتحاد الإيطالي لكرة القدم ببيع حقوق البث لجميع الأندية فى صفقة واحدة بعد انتهاء العقد الجاري، عكس النظام المتبع حاليا بأن يملك كل ناد حق التصرف في حقوق بث مبارياته بمفرده. وتعاني الأندية الإيطالية ايضا من ضعف عوائد عقود الرعاية والإعلانات، فهناك أندية تلعب دون وجود أي إعلان على قمصان لاعبيها، فضلا عن نظام الضرائب المفروض على شراء اللاعبين، ما يمنع الأندية من التعاقد مع نجوم كبار نظرا لارتفاع أسعارهم وبالتالي ارتفاع قيمة الضرائب على الصفقة. لكن ايضا لا يمكن تجاهل مثلا الخسائر التي تعاني منها الشركات الكبيرة كشركة فيات الراعي الرسمي لنادي يوفنتوس ما سيؤثرعلى استقرار النادي مستقبلا. واذا كانت الاندية الالمانية نجحت فى السيطرة على الأزمة بشكل نسبي، بسبب تحكمها برواتب اللاعبين، فان الفرنسيين كانوا الاقل تضررا بسبب نظام الرقابة الذي وضعته رابطة أندية الدوري الفرنسي على قيمة الرواتب، لكن نادي ليون قد يكون المتضرر الاكبر لكونه فقد نصف أسهمه فى البورصة منذ إشهار بنك "ليمان براذرز" الأميركي إفلاسه في سبتمبر الماضي. وفي الختام، يبقى السؤال الأهم, ماذا عن كأس العالم 2010 في جنوب افريقيا؟. رئيس اللجنة المنظمة داني جوردان يرى أن أثر الأزمة الاقتصادية العالمية سيكون محدودا على استعدادات جنوب أفريقيا لاستضافة النهائيات, قاصدا تكاليف البناء والتي اشار الى انها ارتفعت كمواد الصلب والخرسانة. لكن الاطمئنان الاكبر هو الذي بثه رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) جوزيف بلاتر الذي أكد بصريح العبارة ان "الفيفا لم ولن يتأثر بالأزمة المالية لوجود سيولة مادية كافية لتغطية تكاليف مونديال 2010 في جنوب أفريقيا و2014 في البرازيل".