المؤلف سلمان بن محمد بن سليمان العُمري عرض وتحليل فهد بن محمد العريف الرياض - البلاد بين يدي كتيب بعنوان: (الطريق إلى إصلاح الفساد) من القطع الصغير، يقع في ثمانين صفحة ، قدم له الشيخ عبد العزيز بن صالح الحميد رئيس محكمة الاستئناف بمنطقة الرياض ، بدأه المؤلف الأستاذ سلمان بن محمد بن سليمان العُمري بمقدمة أورد فيها أن المسلم الصالح حين يكون في موقع المسؤولية فهو الحارس الأمين لمقدرات البلاد والعباد ، يخلص في عمله ويحافظ على مكتسبات وطنه ، وهو الصالح في نفسه مصلح لغيره ، فالإسلام جعل الرقابة مسؤولية يتحملها كل فرد من أفراد المجتمع ، وليست خاصة بالدولة أو برجال الأمن . إنما هي مسؤولية الأب والأم والمعلم والمربي، والفساد لا دين له ولا هوية ولا مذهب ، إنما يحصل في المجتمعات كلها وفي الدول كلها ،وليس مختصا بدولة معينة دون أخرى أو ديانة أو مجتمع معين . والإسلام نهى عن الفساد بكافة صوره ، كما أن المجتمع الدولي بأسره مشتغل بمحاربة الفساد . وقد حدد المؤلف هدفين سعى من خلال بحثه إلى تحقيقهما ، الأول: تسليط الضوء على مفهوم الفساد ، ومظاهره وأسبابه . والثاني: الاطلاع على بعض الطرق والتجارب الكفيلة بتحجيم الفساد ومعالجته . الفساد لغة: من فسد ضد ( صلح ) ويعني البطلان. واصطلاحاً: تشترك تعريفاته المختلفة بأنه إساءة استعمال السلطة العامة أو الوظيفة العامة للكسب الخاص ، وضرب المؤلف مثلا لذلك: " يحدث الفساد عادة عندما يقوم موظف بقبول رشوة أو طلبها لتسهيل عقد أو إجراءات منافسة عامة ... وتحقيق أرباح خارج إطار القوانين المرعية. كما يحدث الفساد عن طريق استغلال الوظيفة العامة من دون اللجوء إلى الرشوة، وذلك بتعيين الأقارب أو سرقة أموال الدولة مباشرة". دلالات الفساد في القرآن الكريم: ولاتساع صور الفساد وتعدد آثاره السيئة ، جاءت في القرآن الكريم معان متعددة له ، استخلصها المؤلف بقوله " ورد لفظ الفساد في القرآن الكريم للدلالة على عدة معان متعددة منها : الشرك ، المعاصي ، الطغيان والتجبر، إخافة السبيل وقطع الطريق ، إرهاب الناس وسلب أموالهم ، وكذلك تعلق الفساد في العقيدة ، وفي الجوانب السياسية والمالية ". مدعما ما ذكره بالآيات القرآنية التي تشير إلى هذه المعاني. ولم يقتصر المؤلف على ذلك بل أخذ في سرد الحالات اللغوية للفظ ( فسد)في الآيات القرآنية الكريمة بمجيئها بصيغة الماضي ، وباقترانها بأل التعريف ، وبصيغة المفرد الغائب، وضمير المتكلمين ، وضمير المخاطبين...إلخ . وكأن ذلك تأكيد وتشديد من الرب – تبارك وتعالى- في كتابه الكريم على ذم الفساد والمفسدين والتحذير من الوقوع في مستنقعه الآسن. دلالات الفساد في الحديث النبوي: دل معنى الفساد في الحديث النبوي على نفس المعاني التي دل عليها القران الكريم ، كما دل أيضا على أن الفساد هو خبث الشيء وذهاب نفعه، كذلك اختلال الشيء وخروجه عن مألوفه، وجاء بمعنى بطلان العمل وعدم إجزائه ، كما أتى بمعنى تغير الحال إلى غير الصلاح ، وكذلك فساد ذات البين . ولقد استنبط المؤلف هذه المعاني من الأحاديث النبوية الشريفة التي ورد فيها لفظ الفساد بهذه المعاني المتعددة . مظاهر الفساد: الرشوة ، المحاباة ، الواسطة، نهب المال العام ،الابتزاز، إقصاء الكفاءات المؤهلة ، التكسب من الوظيفة العامة ، استغلال الممتلكات العامة ،استخدام السلطة الرسمية لتحقيق مكاسب شخصية ، عدم المحافظة على الدوام الرسمي، وضع الشخص المناسب في المكان غير المناسب ، التهاون في تطبيق الأنظمة والتشريعات أو تطبيقها على أناس دون آخرين ، التقاعس عن أداء الواجب وعرقلة مصالح المواطنين، انتشار ظاهرة الحصول على شهادات عليا بأساليب غير سليمة . أقول وبالله التوفيق، عندما ينتقي المؤلف عنوان هذا الكتاب ( الطريق إلى إصلاح الفساد ) فإنه لا ينكر وجود الفساد في المجتمع ، ولا يزايد على نفيه عن واقع الحياة ، بل يقرر بكل وضوح أن الفساد موجود في كل زمان وفي كل مكان ، ولكن العبرة بمعالجة هذا الفساد والتخفيف من شره وآثاره، كما يقرر أن الفساد شر كله فهو يدمر الإنسان ويهدم الكيان، ويهلك الحرث والنسل، ويقتل في الناس قيم العدل والإيثار والإخلاص، وتحقيق الجودة والإتقان؛ لذلك ركز في تصنيفه للكتاب على تحديد هذه الفكرة وتوضيح مدلولاتها ، وتبيان الحكم على مادة الفساد وتأصيله تأصيلا شرعيا مستندا إلى الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، وكم أتمنى – كوجهة نظر خاصة - لو لم يغرق الكلام عندما تناول تفسير لفظة الفساد بهذا الشكل، الذي كاد يذهب بانتباه القارئ عن الإطار العام للمضمون. ولكن المؤلف – حقيقة - وفق بفضل الله تبارك وتعالى في التركيز على الفكرة العامة لمؤلفه، وفي إدارة هذه الفكرة بشكل علمي متدرج يتسم غالبه بالتناسق ، فلا إسهاب مملا، ولا إيجاز مخلا. كما أن المؤلف استطاع من خلال رصد الأدلة الشرعية التي تتناول قضية الفساد تعريفا وتوصيفا وحكما وعلاجا، أن يقدم للقارئ – بالإضافة إلى المحتوى العلمي – أسلوبا إرشاديا وجرعة وعظية تحيي النفوس الضعيفة التي وقعت في وحل الفساد ، والنفوس التي يراودها الوسواس لتجترح إثم الفساد. وحقيقة فإن خلق الفساد حالة نفسية تختبئ في العقل اللاواعي لتبلور السلوك السيئ، وتبعث عليه سائغا في ضمير المفسدين ، فيمارس المفسد هذا السلوك القبيح والخبيث في حالة غياب الضمير الواعي عن مدى فداحة جريمة الفساد، وعن سوء العاقبة وعظم العقوبة التي تنتظر المفسدين يوم يقوم الناس للحساب أمام الملك الديان - سبحانه وتعالى -. إن المؤلف - من خلال هذا البحث - يضيف اتجاها في الأسلوب الكتابي مع بقية المؤلفين المخلصين ، الذين يشخصون معاناة المجتمعات، ويساهمون بأقلامهم في تقديم النصح ، وفي التعاون مع بقية الجهود المخلصة لمعالجة الأخطاء، وحلول المشكلات. وبالجملة فإن كتاب ( الطريق إلى إصلاح الفساد ) كتاب جيد ومفيد، وجدير باقتنائه وقراءته.