عقد مؤخرا في مدينة الرياض أعمال "ملتقى دور المسجد في تعزيز القيم الوطنية" وبتنظيم من وزارة الشؤون الإسلامية وضمن فعاليات الحملة الوطنية الشاملة لتعزيز قيمنا الوطنية "وطننا أمانة" حيث كان لوكيل الوزارة لشؤون المساجد الدكتور توفيق السديري كلمة جاء فيها: " مما يحز في النفس ويدمي القلب أن انجرف فئة من ابنائنا وانخدعوا بهذه الشعارات مما يصدق عليهم قول الفاروق عمر رضي الله عنه (انما ينقض الاسلام عروة عروة إذ نشأ بالإسلام من لا يعرف الجاهلية). فالذي عاش عمره كله في أمن وأمان واستقرار ورخاء واجتماع كلمة صف ولم يعرف الفتن والشرور وما وقع فيه التغير من حولنا من مآسي وكوارث كان مبدأها فكرة فاستحالت إلى شر عظيم ومصائب وفتن استمرت عقود من الزمن ولا زال بعضها قائم إلى يومنا هذا ذلك الشخص هو الذي قد لا يعرف قيمة الأمن وقيمة الوحدة وقيمة المنهج الحق وان خط الدفاع الأول لكل مجتمع في مثل هذه النوازل والأزمات هو المؤسسة الدينية والقائمون عليها من أوجب الواجبات أهل العلم والفتوى والقائمين على مبادئ التوجيه والإرشاد أداء الأمانة الواجبة عليهم بما حملهم الله من علم وبما منحهم شرف التوجيه في المجتمع" .وأضاف السديري: "من هذا المنطلق جاءت فكرة إقامة هذا الملتقى برعاية كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن عبدالله بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض والذي ينظمه فرع الوزارة في المنطقة ويشارك فيه جمع من منسوبي الوزارة ومؤسساتها الدعوية من الخطباء والدعاة ومسؤولي مراكز الدعوة والإرشاد وجمعيات تحفيظ القرآن الكريم للمساهمة في حماية البناء الفكري لمجتمعنا السعودي من التأثر بالفتن والأحداث الجارية في المنطقة ولتحديد الدور المطلوب لكل منهم من واقع تخصصهم في هذا المجال". اعظم مدرسة تربوية وفي كلمة لأمير الرياض قال صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن عبدالله: " لقد شرف الله تعالى هذه البلاد المباركة بخدمة الحرمين الشريفين وجعلها مهبط الوحي ومنبع الرسالة وشرف قادتها –حفظهم الله- بخدمة بيوت الله وعمارتها والاهتمام بها فهذا البلد ومنذ تأسيسه وهي معني بخدمة العقيدة الاسلامية ونشر الدين الاسلامي الحنيف وهذا نابع من منهجه ودستوره القائم على كتاب الله وسنة نبيه –صلى الله عليه وسلم-. وقال سموه إن المسجد المدرسة الايمانية الأولى في الاسلام التي تخرج منها صحابة الرسول –صلى الله عليه وسلم- وهو أعظم محضن تربوي وتعليمي لما له من تأثير في عقول وعقيدة المسلمين ولذا فإنه يحتاج منا إلى عناية تامة لكل ما يطرح فيه ومن هذا جاءت فكرة إقامة هذا الملتقى ببيان وتوضيح دور الامام والخطيب تلك الوظيفة السامية وظيفة الأنبياء والمرسلين –عليهم افضل الصلاة والسلام- إن منبر المسجد تقع عليه مسؤولية كبرى في تحقيق الأمن الفكري وتعزيز الانتماء الوطني وترسيخ القيم العصرية والتفاعل مع قضايا الوطن بصدق وعقل مستنير بعيدا عن الانتماءات الضيقة والأفكار المتطرفة والآراء المفسدة. وأعرب المشاركون في ملتقى دور المسجد في تعزيز القيم الوطنية عن استنكارهم وتجريمهم لكل فكر مخالف لمنهج هذه البلاد وما عليه علماؤها وحذروا من كل ما يؤدي إلى الفرقة والاختلاف من انضمام أو دعم أو تأييد لجماعة أو لطائفة مخالفة لمنهج السلف الصالح مما طرأ على الساحة مؤخرا وأكدوا وقوفهم مع الدولة وأجهزتها حيال محاربتها ومحاسبة أفرادها أو المحرضين على الانضمام إليها. استلهام القيم الوطنية فيما يلي نص البيان الصادر عن أعمال الملتقى: "استلهاما من القيم الوطنية العظيمة التي رسخ بنيانها في هذا الصرح العظيم الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- الذي أقامها على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ووحد أرجاءها على العدل والحق وسار على نهجه أبناؤه الملوك وأقروها في النظام الأساسي للحكم القائم على أحكام الشريعة ومقاصدها وروح العصر ومقتضياته وأكد عليها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز –حفظه الله- في خطبه وكلماته التي تؤكد دائما على هذه القيم الوطنية الثابتة التي ترسم سياسية الدولة وقراراتها: كالتأكيد على هوية البلاد الإسلامية القائمة على الكتاب والسنة وضرورة الوحدة والاجتماع وترك الفرقة ونبذ التعصب والحزبيات التي تؤدي إلى الشقاق والخلاف ونبذ مسالك الغلو والتطرف والعنف والإرهاب والابتعاد عن مسالك الجماعات الغالية التي تستخدم الدين مطية لتحقيق أغراضها والتسامح وتعميم قيم الإخاء والتعاون والمحبة بين أبناء هذا البلد الكريم والتأكيد على الاعتدال والوسطية في الدعوة والخطاب".ضمن الحملة الوطنية (وطننا أمانة) شارك أكثر من مئتي إمام وخطيب وداعية ومدير إدارة أوقاف المحافظة ومدير مكتب تعاوني وعضو من جمعيات تحفيظ القرآن الكريم واستمعوا إلى توجيهات راعي الملتقى وإلى نصائح سماحة المفتي العام للملكة وأصحاب الفضيلة أعضاء هيئة كبار العلماء وناقشوا في الجلسات التي عقدت أربعة محاور. المحور الأول: رسالة المسجد في تنمية المواطنة الحقة وتوعية المجتمع بالأخطار المحيطة بالمملكة. المحور الثاني: أهمية تعزيز الاستخدام الأمثل لوسائل التقنية الحديثة في المسجد. المحور الثالث: حلقات تحفيظ القرآن الكريم وتعزيز الأمن الفكري. المحور الرابع: واجب المكاتب التعاونية للدعوة والإرشاد تجاه تعزيز الأمن الفكري والأخطار المحيطة بالمملكة. استمر ذلك النقاش ثلاثة أيام متواصلة عبر ورش عمل خلص المشاركون فيها إلى توصيات ونتائج وآليات درستها اللجنة العلمية واستخرجت منها أكثر من (25) توصية وآلية عمل ورفعتها لمقام صاحب السمو الملكي أمير منطقة الرياض ولمعالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد لأخذ الموافقة عليها وتكوين فريق عمل لرسم آليات التنفيذ لكل توصية من خلال ما طرح في الملتقى. وكانت هنالك تصريحات لعدد من وكلاء الوزارة عن ملتقى دور المسجد حيث أكد وكيل الوازرة للشؤون الإسلامية الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله العمار: أن من النصح للمسلمين إرشادهم عن الأخطار التي تعتريهم كتبصيرهم وإرشادهم عن خطورة التطرف والغلو والإرهاب والدعوة إلى الالتفاف حول قادة هذه البلاد وعلماؤها فلا خير في مجتمع لا يلتف حول قادته وعلمائه ومن رسالة المسجد الدعوة إلى اللحمة الوطنية والتراحم فيما بين أفراد المجتمع وأبناء الوطن الواحد ومنذ قيام دعوة الشيخ المجدد الإمام محمد بن عبدالوهاب بدعوته السلفية التي ناصرها الإمام محمد بن سعود رحمه الله شهدت بلادنا بعدها اهتماما بالمساجد ولهذا رأينا حلقات العلم بالمساجد وتعليم القرآن الكريم فتجدد عصر الإسلام الزاهي. ومن جانبه قال وكيل الوزارة المساعد لشؤون المساجد الشيخ عبدالمحسن بن عبدالعزيز آل الشيخ: إن الجميع يدرك ما للمساجد من مكانة سامية ومنزلة رفيعة في نفوس المسلمين فهي مكان اجتماع المؤمنين للصلوات المفروضة وقراءة القرآن العظيم وحفظه وتدارس العلم وتدريسه ومنطلق الدعوة والإصلاح والبيان لما فيه المصلحة الشرعية والوطنية. وأضاف فضيلته: أن وزارة الشؤون الإسلامية من منطلق مسؤولياتها بالمساجد ومنسوبيها أولت عناية فائقة بدء من التعيين ومتابعة واجباتهم حتى تكون على أكمل وجه وتعزز فيهم عبر وسائل عديدة كالندوات واللقاءات والحملات والبرامج الهادفة الانتماء والمواطنة الحقة وتثبت فيهم القيم الوطنية لما لذلك من أثر على مرتادي المساجد حيث تكون الحصانة –بإذن الله- وتشيع المفاهيم الصحيحة لديننا مما يكون باعثا على سلوكيات حميدة وشدة وتعلق بالانتماء الصحيح للدين والطن. وقال أيضا: إن من المأمول من مثل هذه الحملات وهذه الملتقيات أن ترفع مستوى الوعي والانتماء والتمسك الصحيح بتعاليم ديننا وما يجب علينا تجاه وطننا حتى نكون جماعة واحدة لا مجال لاختراقها محصنة قلعتها منيفة أسوارها تتكسر عليها سهام البغي والعدوان. وفي تصريح لوكيل الوزارة لشؤون المطبوعات والبحث العلمي الدكتور مساعد بن إبراهيم الحديثي جاء فيه: إن عقد هذا الملتقى المبارك ليتحدث عن دور المسجد في تعزيز القيم الوطنية المنبثقة من نور الإسلام والمتمشية مع أسسه وتعاليمه. ولذا فإن حملة تعزيز القيم الوطنية المتعددة ينبغي أن تبدأ من المسجد وتنتهي إليه فهو رمز الإسلام وعنوان الوحدة الوطنية القائمة على شرع الله والتي لن يكون لها وجود واستمرار بدون المحافظة عليه والانقياد لتعاليمه وهذا الوضع المميز للمساجد في مجتمعنا السعودي المسلم يضع علينا مسؤوليات كبيرة تجاه الإفادة منها وتطوير دورها الحيوي في المجتمع بما يتناسب مع ضرورات العصر وتطوراته. ينبغي أن يتجاوز دور المسجد مجرد إقامة الصلوات فيه فقط إلى أن نجعل منه مركزا اجتماعيا فعالا في حياة الفرد والمجتمع. وأشار وكيل الوزارة للشؤون الإدارية والفنية الأستاذ عبدالله بن إبراهيم الهويمل إلى المكانة الجليلة للمساجد تدل على آثاره العظيمة وثمراته الكريمة على الفرد والمجتمع في الدنيا والآخرة. وأضاف: المجتمع المسلم عندما يصل إلى هذا المستوى من الوحدة والتكافل بين أفراده فإنه يستحيل أن تؤثر فيه المؤامرات الخارجية أو تنال منه مكايد الأعداء مهما كانت فتجدها كلها تتحطم وتتكسر أمام صخرة المجتمع المتراص كالبنيان كما تتكسر امواج البحر أمام صخور الشاطئ. ولأجل ذلك فإن أول ما ينبغي للأمة الإسلامية عند مواجهة أي مشكلة من المشكلات أن تبدأ في معالجته من خلال المسجد وإحياء رسالته وتفعيل دوره من خلال خطب الجمعات وتوجيهات الأئمة والدروس العلمية وحلقات تحفيظ القرآن الكريم وحلقات العلوم الأخرى. مما سيكون من الأسباب –بإذنه تعالى- في إعادة الروح إلى جسد الأمة ونشر الوعي لديهم وتعزيز الانتماء الديني والوطني وترسيخ القيم والمبادئ الشرعية والوطنية في نفوس المواطنين ليكون كل واحد منهم جنديا في الدفاع عن دينه ووطنه والوقوف سدا منيعا أمام كل ما يسئ إلى أمن المجتمع أو يضر بمقدراته الوطنية ومن أجل تحقيق تلكم الأهداف السامية والمقاصة العالية جاء تنظيم هذا الملتقى. وأوضح وكيل الوزارة المساعد للشؤون الإسلامية الشيخ عبدالرحمن بن غنام الغنام أن المسجد ليس مكانا مقصورا لإقامة الصلاة فقط بل هو المدرسة التي تتربى فيها النفوس تربية روحية كما أن له دور في تحقيق الأمن والأمان ودفع المخاطر من قبل الأعداء وعند ظهور المظاهر السلبية وانتشار الجريمة وفي المجتمعات وذلك من خلال دوره في حماية المجتمع وتوجيهه وصيانته ووقايته وذلك لما يتمتع به المسجد من مكانة رفيعة في نفوس المسلمين وعند التأمل في الأدوار التي يقوم بها المسجد والعوامل المرسخة للأمن والمنبثقة من بين أرجائه وجوانبه يمكن أن نلخصها في المجالات التالية: أن المسجد له دور كبير وفعال في إصلاح الفرد والمجتمع ومحاربة الفساد والانحراف والجريمة لأن النفوس المريضة المنحرفة لا يوجد لها أنجع من العلاج الرباني من لدن ربها الذي خلقها فسواها وفي الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتبت له براء كان براءة من النار وبراءة من النفاق). رواه الترمذي وصححه الألباني وشدد الغنام على أن القيم الروحية التي يكتسبها المسلم من خلال تردده على المسجد لها تأثير بالغ في توجيهه وتربيته تربية كاملة. إذ أن الدين لا يقف عند حدود العبادات إقامة الشعائر بل يؤثر في تنشئة الفرد فالإتمام بالإمام في جميع أركان الصلاة (إنما جعل الإمام ليؤتم به) يربى النفس على الانقياد والنظام والترتيب والموالاة والانضباط وينعكس أثر ذلك على سلوك الفرد وتعامله مع الناس. وأن وظيفة المسجد الحقيقية في الإسلام هي إعداد المسلم المتكامل على البناء في خلقه وسلوكه وعمله وعباداته بربه وبنفسه وبإخوانه وبالناس جميعا. وختم حديثه بقوله: أنه كلما ازداد تردد المسلم على المسجد ازداد تعلقا به وقربا من ربه فارتقى نحو مرضاة الله وابتعد عن نوازع العدوانية والدوافع الإجرامية. وأخيرا قال وكيل الوزارة للتخطيط والتطوير الدكتور محمد بن أحمد باسودان: إن المسجد في الإسلام ليس مكان أداء الصلاة فحسب بل يعتبر مركز اشعاع للتعليم ففيه تتربى النفوس وهو المدرسة التي يتعلم فيها المسلمون أمور دينهم ودنياهم فقد كان وما زال منارة للعلم والعلماء. وأشار إلى خطبة الجمعة ومالها من دور عظيم في حياة المسلمين ولذلك فإن على الخطيب أن يدرك عظم وأهمية هذه المهمة وأن يكون أهلا لها علما وعملا ومنهجا وسلوكا حيث أن للمنبر دور هام في تحقيق الأمن والأمان وفي المساهمة في البناء الفكري.